المتأخرون متنافرًا وحشيًا، لثقته بملكته في العربية وحرصه على مذهب الأوائل في الرصانة.
وقد وُفق البحتري في الطويل أكثر من أبي تمام، وهذا وحده يدل على أنه كان أقوى طبعًا منه، وأقعد في باحة الشعر، وأخصب جنابًا من صاحبه. لأن الطويل ميدان الوصف والملحمة والتأمل والبلاغة الحرة، من غير ما اعتماد على دندنة النغم، وجلبة التفاعيل. وناهيك بعينيته في حرب تغلب:
منى النفس من أسماء لو تستطيعها ... بها وجدها من غادةٍ وولوعها
وقد تحدث عنها الدكتور طه حسين بما لا مزيد عليه في كتابه من حديث الشعر والنثر فليرجع إليها هناك.
وقصيدة البحتري في وصف الذئب من روائع الكلام، وفيها قد جلى عن تملكه لعنان الألفاظ أيما تجلية، وما أحسب النابغة لو سمعها كان يستنكف أن تنسب إليه، من حيث رصانتها وقوة طبعها. وهي مشهورة، وقد أوردها أصحاب المنتخب في أدب العرب. والوصف الملحمي فيها بين واضح. ومن روائع البحتري في الطويل قوله في الفتح بين خاقان يصف لقاءه للأسد. قال (١):
وقد جربوا بالأمس منك عزيمةٍ ... فضلت بها السيف الحسام المجربا