ثم إن الشاعر بعد أن اعتذر بأنه لم يغنم مالاً فيهدي منه، أردف ذلك باعتذار آخر ذكر فيه أنه كان مشغولاً بجلاد الأبطال، والدفاع عن حوزة الدين، وأن ذلك لم يُفرغه إلى جمع المغانم من ثياب وعرض زائل، وذلك حيث يقول:
لقد كان في القوم الذين لقيتهم ... بسولاف شغل عن بزوز اللطائم
توقد في أيديهم زاعبية ... ومرهفة تفري شئون الجماجم
ومما يجري مجرى أشعار الخوارج في ذكر الملاحم، قصائد الشيعة المكتمات، وقد روي لنا الطبري بائية طويلة منها منسوبة إلى أعشى همدان، وفيها من التفصيل القصصي ما يخالف مذاهب العرب، كما أن أسلوبها في جملته لين ضعيف، وقد كانت كثير من أشعار الإسلاميين في الكوفة والعراق تشكو هذا الضعف. وأجود من ملاحم الشيعة تلك الطويليات الروائع المنسوبة إلى عبيد الله بن الحر، وهي أشبه بشعر الخوارج في صلابتها، وتمهل جرسها ودلالتها على الإقدام والبسالة، من ذلك كلمته التي مطلعها:
يقول أمير غادرٌ حقُّ غادر ... ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة
وهذه الكلمات كلها مذكورة في تاريخ الطبري (الجزء الرابع والخامس)
واختار الفرزدق وجرير بحر الطويل لقصائدهما المطولة التي ذكرا فيها ملاحم القبائل، كالميميات، وكحائية جرير في هجو الأخطل، وفائية الفرزدق، واتبعهما في هذا المسلك بشارحين عرض لمدح مروان بن محمد في بائيته التي يقول فيها:
إذا الملك الجبار صعر خده ... مشينا إليه بالسيوف نضاربه
وميميته:
أبا جعفرٍ ما طيب عيشٍ بدائم ... ولا سالم عما قليل بسالم