للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن خير ما يروونه من ملاحم صفين قول العبسي يذكر قتله لمحمد بن طلحة السجاد:

وأشعث قوام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم

يُذكرني حم والرمح دونه ... فهلا تلاحم قبل التقدم

ضممت إليه بالسنان ثيابه ... فخر صريعًا لليدين وللفم

على غير شيء غير أن ليس تابعًا ... عليًّا ومن لا يتبع الحق يندم

وفي هذه الميمية نفسٌ من كلمة جابر بن حنى التغلبي صاحب امرئ القيس التي يقول فيها:

نطيع ملوك الأرض ما قصدوا بنا ... وليس علينا قتلهم بمحرم

وقد نظم الخوارج جل شعرهم في الطويل، وما أحسب ذلك إلا لأنهم وجدوا في نغمه الصلاحية للجد الصريح الذي لا تفسده قعقعةٌ ولا جلبة. وقد سلم لهم فيه كلام ملحميّ غايةٌ في الجودة، نحو ميمية قطري المشهورة:

فيا كبدا من غير جوعٍ ولا ظما ... ويا كبدا من حب أم حكيم

فلو شهدتني يوم دولاب أبصرت ... طعان فتى في الحرب غير ذميم

ونحو كلمة يزيد بن حبناء:

كفى العدل إن العيش ليس بدائم ... ولا تعجلي باللوم يا أم عاصم

فإذا عجلت منك الملامة فاسمعي ... مقالة معنيّ بحقك عالم

ولا تعذلينا في الهدية إنما ... تكون الهدايا من فضول المغانم

ولم يرد أن الهدايا تكون مما يفضل من الغنائم، وإنما أراد أن الهدايا تكون من المغانم التي هي فضول، فأضاف الصفة إلى الموصوف، وهذا مذهب مستقيم في العربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>