ومساراته فكرية مجازية وهذا الوجه يضعفه قوله من بعد:
تسود الشمس منا بيض أوجهنا ... ولا تسود بيض العذر واللمم
فهذا منبئ عن السفر. وقد شكا أبو الطيب وخط الشيب وجهه شكوى خفية حيث قال:
ومن هوى الصدق في نفسي وعادته ... رغبت من شعر في الوجه مكذوب
لم يخل أبو الطيب من عقدة كافورية في هذا البيت وفي قوله من بعد:
وكان حالهما في الحكم واحدة ... لو احكتمتا من الدنيا إلى حكم
ثم أخذ في السير. وبدأ ذلك بنوع من رثاء النفس. كأنه قد أحس ملالاً من طول الدأب الذي لا نهاية له. وكأنه قد جعل الماء رمزًا لهذا المعنى، وكأنه يرثي للماء من طول رحلته، آنا هو سائر في السحاب. وآنا آخر هو سائر في القرب على ظهور الإبل
ونترك الماء لا ينفك من سفر ... ما سار في الغيم منه سار في الأدم
مكان الرمز في قوله (ونترك الماء لا ينفك من سفر) أي لولانا لكان قد استقر حيث يجد من الأرض قرارًا.
ثم أحس أبو الطيب أنفاس النجاة والحرية المخالطة لهذا السير، فوجد لذلك هزة طرب أريحي ونشوة من انتصار:
لا أبغض العيس لكني وقيت بها ... قلبي من الحزن أو جسمي من السقم
طردت من مصر أيديها بأرجلها ... حتى مرقن بنا من جوش والعلم