للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رثى بها أبو الطيب فاتكًا لا لأن هجاءه من غرضها، ولكن لزيادة شعور التفجع من طريق المقابلة، وذلك قوله:

قبحًا لوجهك يا زمان فإنه ... وجه له من كل قبح برقع

أيموت مثل أبي شجاع فاتك ... ويعيش حاسده الخصي الأوكع

أيد مقطعة حوالي رأسه ... وقفا يصيح بها إلا من يصفع

أبقيت أكذب كاذب أبقيته ... وأخذت أصدق من يقول ويسمع

وتركت أنتن ريحة مذمومة ... وسلبت أطيب ريحة تتضرع

ثم رجع إلى الرثاء

هذا، والقسم الأول من القصيدة من قوله: «حتام نحن نساري النجم في الظلم» إلى قوله:

مكعومة بسياط القوم نضربها ... عن منبت العشب نبغي منبت الكرم

وقد زعم ابن رشيق أن أبا الطيب كان يعمد إلى التهيب بذكر الخيل ويؤثرها على الإبل.

وهذه القصيدة، والمقصورة

ألا كل ماشية الخيزلي

وغيرهما مما يشهد بأنه كما كان صاحب خيل كان أيضًا كثير الرحلة بالإبل وصافًا لها في شعره عارفًا بأصناف جيادها، من ذلك ذكره إبل البجاة الصهب وهي من أسرع الإبل وهو قوله:

وكل نجاة بجاوية ... خنوف ومابي حسن المشي

ولكنهن حبال النجاة ... وكيد العداة وميط الأذى

أستهل أبو الطيب بذكر السرى. فليله ليس كليل النابغة في:

كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب

وفي قوله:

كتمتك ليلاً بالجمومين ساهرًا ... وهمين هما مستكنًا وظاهرًا

وليس كليل الراعي إذ قال:

ما بال دفك بالفراش مذيلا ... أقذى بعينك أم أردت رحيلا

على أنه قد أخذ من النابغة قصة مراعاة النجم، ومنه ومن الراعي ومن غيرهما كالأسود ابن يعفر في:

نام الخلي وما أحس رقادي

شكوى السهر وفقد الرقاد.

بداية أبي الطيب المضمرة نسيب، وأحبابه هؤلاء الملوك الذين هم شر فجعًا وولعًا من سعاد كعب بن زهير وأكثر إخلافًا وتبديلاً.

وهو بعد القائل:

فراق ومن فارقت غير مذمم ... وأم ومن يممت خير ميمم

هذا يقوله بلسان الجراء. ولكن هذه الميمية مخالطها الغضب والحزن وصرف الرجاء عمن كان ظنه موضعًا للرجاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>