من مبلغ الأعراب أني بعدها ... شاهدت رسطًا ليس والإسكندرا
ورأيت جالينوس دارس كتبه ... متفلسفا متبديا متحضرا
وزعم الحاتمي أنه أخذ كل حكمه من أرسطو طاليس. وهذا باطل. فقد كان أخذ أبي الطيب من شعراء العرب قدمائهم ومحدثيهم على رأس هؤلاء المحدثين أبو تمام ثم ابن الرومي والبحتري وأبو نواس ومسلم وبشار ثم سائر المحدثين من بعد. وكان أبو الطيب بدقائق أسرار الشعر عالمًا.
ثم ختم القصيدة بقوله:
هذا عتابك إلا أنه مقة ... قد ضمن الدر إلا أنه كلم
قوله مقة لا ريب يشير به إلى قوله في شعر له في سيف الدولة من قبل إذا ألمت به علة:
وقد يؤذي من المقة الحبيب
أي إن كرهت بعضه فاذكر آنه إنما دعاني به إليه حبك. وقوله:«قد ضمن الدر» جعله في مقابلة «بأي لفظ تقول الشعر» - أي هذا الذي أجيء أنا به هو الدر. أما هؤلاء فليس لهم من لفظ الشعر إلا الآجر والبعر وما أشبه. وبيت الختام فيه عودة إلى المعنى الذي استهل به. كما أن فيه إدلالة انتصار.
إن تك ميمية أبي الطيب هذه من أصل البيان الذي البيان المسرحي فرع منه، وقد بينا مرادنا من هذا القول، فإن بائية حبيب من أصل البيان الذي البيان الملحمي فرع منه. ولا نقول بمفاضلة بين الأصول بنحو مما يقول به نقاد الإفرنج من المفاضلة بين ما هو عندنا فروع من هذه الأصول. على أن نقاد الإفرنج قد قرنوا هو ميروس بالمسرحيين وربما فضلوه عليهم. وإلى نحو هذا القول ذهب نقاد الطليان في دانتي بحسب ما ذكرته الموسوعة البريطانية في الباب الذي عقدته للشعر.
هذا ومن جياد أبي الطيب التي شكلها من ذوات التخصير:
حتام نحن نساري النجم في الظلم ... وما سراه على خف ولا قدم
وهي من فرائده وقلائده، كما كان يقول أبو منصور فيما يروم مدحه من إحسانه. وليست هذه القصيدة من حيث أغراضها حقًا في رثاء فاتك ولكنها في التأمل والحكمة ورثاء فاتك جيء به على وجه العظة والاعتبار. كما أن هجاء كافور جيء به في العينية التي رثى بها أبو الطيب فاتكًا لا لأن هجاءه من غرضها، ولكن لزيادة شعور التفجع