أرى النوى تقتضيني كل مرحلة ... لا تستقل بها الوخادة الرسم
لئن تركن ضميرًا عن ميامننا ... ليحدثن لمن ودعتهم ندم
قالوا وكان صاغه أولاً:«ليحدثن لسيف الدولة الندم» والكناية في هذا الموضع أجود من التصريح. ثم في «من ودعتهم» عموم يدخل فيه مع سيف الدولة من عسى أن لو شاء انتصر له.
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ... ألا تفارقهم فالراحلون هم
إذ هذا يكون رحيل فراق القلوب. وقد كشف هذا المعنى من بعد إذ قال:
شر البلاد مكان لا صديق به ... وشر ما يكسب الإنسان ما يصم
كأن يبقى للكسب بحيث لا ود ولا صديق. وما أسرع حينئذ ما يكون أعداؤه إلى الطعن فيه والحط من قدره. فتمكنهم مقاتله من حيث لا يحتسب ولا يقدر على جنة أو انتصار.
ثم يجيء الغضب، أنفًا من هذا الشر، ومن كسب يصم:
وشر ما قنصته راحتي قنص ... شهب البزاة سواء فيه والرخم
هذا قريب من قوله «أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم» لأن في ألوان الرخمات. وإنما صيدهن الرمم.
بأي لفظ تقول الشعر زعنفة ... تجوز عندك لا عرب ولا عجم
فقد سلم أبو الطيب هنا بأن للعجم شعرًا. وما أرى دعاه إلى هذا التسليم إلا قصده إلى أن يجرد أعداءه من كل فضيلة يمت بها إلى بيان الشعر، ما عرفته العرب وارتضته وهو الشعر، وما زعمت أمم العجم له من ضروب بيانها أنه شعر. وقد كان كان أبو نصر الفارابي عالمًا بفلسفة يونان وشعرها، يدل على ذلك ما بسطه من قول عن القافية في الموسيقا الكبير. ولا يستبعد أن يكون أبو الطيب قد لقيه وأفاد منه علمًا. وقد ذكروا أنه كان كثير النظر في كتب الفلسفة: وهو بعد القائل: