يا من يعز علينا أن نفارقهم ... وجداننا كل شيء بعدكم عدم
فهذا إنذار طيه غضب. وقوله وجداننا إلخ يفهم منه أيضًا معنى:
«وجدانكم كل شيء بعدنا عدم» والبيت التالي قوي للدلالة على ذلك:
ما كان أخلقنا منك بتكرمة ... لو أن أمركم من أمرنا أمم
قيل رماه سيف الدولة بدواة لما قال هذا فقال:
إن كان سركم ما قال حاسدنا ... فما لرجح إذا أرضاكم ألم
وهذا عين الألم. والبيت يحمل في نفسه طابع أنه جيء به على البديهة لاتصال البيت بعده بالبيت الذي سبقه، وهو كالمعترض، فلذلك حسن موقعه:
وبيننا لو رعيتم ذاك معرفة ... إن المعارف في أهل النهى ذمم
ثم احتد أبو الطيب مرة أخرى. إذ مما أثار ذلك ذكر الذمم، وإخفارها مما يغضب له ويثار
كم تطلبون لنا عيبًا فيعجزكم ... ويكره الله ما تأتون والكرم
العتب هنا شديد مر. وأحسب أن هذا ما عناه أبو منصور إذ نعته بأنه داخل في باب إساءة الأدب بالأدب (الأدب الأولى من قولك أديب شاعر ناثر رواية هلم جرا والأدب الثانية أي حسن السلوك والتهذيب أو العكس) وقد يعتذر لأبي الطيب أن هذا موضع التفات، فيكون قوله «كم تطلبون لنا عيبًا» أراد به عيابيه عند الأمير. ويقوي هذا الوجه بيت الافتخار الذي يتلوه، إذ يحسن موقعه أنه أراد به مواجهة أعدائه لا سيف الدولة. وقد ذكروا أن ابن خالويه رماه بمفتاح فشجه. فنتساءل: هل التفت أبو الطيب التفات تعريض به أو أشار أو جاء بوحي في إنشاده بشيء من ذلك؟
ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي ... أنا الثريا وذان الشيب والهرم
ليت الغمام الذي عندي صواعقه ... يزيلهن إلى من عنده الديم
فالغمام سيف الدولة. ومن عنده الديم ابن خالويه وأبو فراس ولفهم. وليت تفيد محض التمني الأماني ضلال. فلم يبق لأبي الطيب إلا أن ينجو ويفارق: