للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يقول أبو الطيب، وههنا عنصر البطولة ومقاربة روح النبوءة الذي جر عليه مقتله من بعد، والله تعالى أعلم:

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم

مناسبة هذا المعنى لقوله «الأنوار والظلم» من قبل لا تخفى

أنام ملء جفوني عن شواردها ... ويسهر الخلق جراها ويختصم

وجاهل مده في جهله ضحكي ... حتى أتته يد فراسة وفم

إذا نظرت نيوب الليث بارزة ... فلا تظنن أن الليث يبتسم

ومهجة مهجتي من هم صاحبها ... أدركتها بجواد ظهرة حرم

رجلاه في الركض رجل واليدان يد ... وفعله ما تريد الكف والقدم

هذا البيت صدره من قول امرئ القيس:

مكر مفر مقبل مدبر معًا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل

وكأنه تفسير لقول امرئ القيس:

وللساق ألهوب وللسوط درة ... وللزجر منه وقع أخرج مهذب

وهذا الذي عابته أم جندب، وكانت هي المحكمة ولها حكمها مسمطًا. وقد ذهب أبو الطيب إلى استجادة كلام امرئ القيس. وكأنه في البائية «أغالب فيك الشوق» صغا شيئًًا إلى مذهب علقمة. ولو قد كانت أم جندب حكيمة لقالت أنتما كركبتي البعير. وأبى الناس إلا أن يحطوا مع امرئ القيس أنها صبت إلى علقمة، فزعموا أن امرئ القيس كام مفركًا، وأن أم جندب قالت له إنك سريع الإراقة بطيء الإفاقة. وهذا مع ظاهر طعنه في امرئ القيس كأنما هو فرع من مذمة النساء وجرى على مذهب من قال:

لا تركنن إلى النسا ... ء ولا تثق بعهودهنه

فرضاؤهن وسخطهن ... معلق بفروجهنه

وهذا القول ليس بمنصف إذ لو قطعنا بصدقه على جميع الناس لزم أيضًا أن نقطع بصدقه على جميع الرجال.

هذا وفي قول أبي الطيب من بعد:

ومرهف سرت بين الجحفلين به ... حتى ضربت وموج الموت يلتطم

<<  <  ج: ص:  >  >>