صار إلى شكوى الوجد والإخلاف والتبديل.
وعكس أبو الطيب هذا الترتيب. وأبت «شبم» إلا أن تجيء في صدر المطلع منبئة بوحي خفي عن أخفى نظر أبي الطيب إلى «بانت سعاد» وتأثره بها عفوًا أو عن عمد. وعند من يكون كأبي الطيب- ويحسن ههنا الاستشهاد بقوله:
كفاتك ودخول الكاف منقصة ... كالشمس قلت وما للشمس أمثال
عند من يكون كأبي الطيب مما يجتمع التأثر العفوي مع العمد. إذ هو رحمه الله قد كان من الشاعرية في الذروة، التي يذوب فيها قطر الصنعة ومعادنها في حديد الطبع فينشأ من ذلك فولاذ واحد عزيز عديم النظير.
ومضى أبو الطيب شوطًا حسنًا من المدح:
فوت العدو الذي يممته ظفر ... في طيه أسف في طيه نعم
قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت ... لك المهابة ما لا تصنع البهم
وفصل أبو الطيب معنى المهابة كما ترى
ألزمت نفسك شيئًا ليس يلزمها ... أن لا يواريهم أرض ولا علم
أكلما رمت جيشًا فانثنى هربًا ... تصرفت بك في آثاره الهمم
عليك هزمهم في كل معترك ... وما عليك بهم عار إذا انهزموا
أما ترى ظفرًا حلوا سوى ظفر ... تصافحت فيه بيض الهند واللمم
أي سوى الظفر الذي تحوزه السيوف الهندية، يأيها السيف الصارم المجرب الذي لا ينبو.
كان أبو الطيب قد لمح تلميحًا بشكواه التي أورده مورد شكوى النسيب ثم صار منها إلى مدح مطرب كغزل النسيب، فلما بلغ به أوجه، رمى بأول أسهم العتاب:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي ... فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
هذا البيت الثاني عشر هو أول تخصير القصيدة.
وقد يذكر القارئ الكريم موضع التخصير في «قفا نبك» أنه وصف الليل وشكواه وشكوى الزمان.
ألا أيها الليل الطويل ألا أنجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل
وأنه في ميمية علقمة حيث أبيات الحكمة التي في طيها أسف شديد:
بل كل قوم وإن عزوا وإن كثروا ... عريفهم بأثافي الشر مرجوم