للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سقاك وحيانا بك الله إنما ... على العيس نور والخدور كمائمه

إذا ظفرت منك العيون بنظرة ... أثاب بها معيي المطي ورازمه

حبيب كأن الحسن كان يحبه ... فآثره أو جار في الحسن قاسمه

تحول رماح الخط دون سبائه ... وتسبى له من كل حي كرائمه

ويضحى غبار الخيل أدنى ستوره ... وآخرها نشر الكباء الملازمه

وزعم بعض شراح شعر أبي الطيب أن ههنا من المبالغة. وليس الأمر على ما توهمه.

وقوله:

وما استغربت غيني فراقًا رأيته ... وما علمتني غير ما القلب عالمه

فلا يتهمني الكاشحون فإنني ... رعيت الردى حتى حلت لي علاقمه

مشب الذي يبكي الشباب مشيبه ... فكيف توقيه وبانيه هادمه

وتكملة العيش الصبا وعقيبه ... وغائب لون العارضين وقادمه

وما خضب الناس البياض لأنه ... قبيح ولكن أحسن الشعر فاحمه

ثم بعد هذا يجيء مدحه الجيد وفخره الرصين:

سلكت صروف الدهر حتى لقيته ... على ظهر عزم مؤيدات قوائمه

مهالك لم تصحب بها الذئب نفسه ... ولا حملت فيها الغراب قوادمه

لا يكثر أبو الطيب من الإشارة إكثار أبي تمام ولا يظهرها إظهاره. ولكنه يخفيها وكأنها وحي يلحن به. وجلى ههنا أنه يشير إلى نعت الشعراء الذئب وإلى حديث الجاحظ عن الطير والحيوان. شعر أبي الطيب لمن تأمله مليء بالإشارة الخفية وهذا من معدن ميله إلى الإيجاز.

ثم أنه كان ينشد شعره فضلاء أذكياء، فإما فطنوا إلى مراده بما رزقوه من سعة الاطلاع، وإما تفطنوا إليه من بعد فأدركوا مغامض معانيه مثلاً قوله:

خف الله واستر ذا الجمال ببرقع ... فإن لحت ذابت في الخدور العواتق

والرواية الأخرى (حاضت في الخدور العواتق) ولعلها هي الأولى وعيبت علي أبي الطيب وما أشك أنه يشير إلى نفسه من فسر قوله تعالى {أكبرنه وقطعن أيديهن} بمعنى الحيض والله أعلم.

ومثلاً قوله: -

<<  <  ج: ص:  >  >>