تسايرها النيران في كل مسلك ... به القوم صرعى والديار طلول
وفي الميمية أقام شيئًا يسيرًا عند صفة العبور بالسفن، كأنه يريد بذلك أن يربى على الأوصاف التي في بائية أبي تمام وأعرض عن ذكر النار إلا تلميحًا في معرض تشبيه السيوف بها:
عبرت تقدمهم فيه وفي بلد ... سكانه وهم مسكونها حمم
فهذه صفة الحريق ثم عدل عن ذلك فجعل السيوف هي النار:
وفي أكفهم النار التي عبدت ... قبل المجوس إلى ذا اليوم تضطرم
هندية إن تصغر معشرًا صغروا ... بحدها أو تعظم معشرا عظموا
وقد أخذ أبو العلاء من هاهنا إذ قال:
ليست كنار عدي نار عادية ... باتت تشب على أيدي مصاليتا
ولا تلهينك الإشارة إلى «يا سليمي أوقدي النارا» عن أصل أخذه. ثم جاء أبو الطيب بنعت سفن العبور- وكما قدمنا دعاه إليه تيار البحر وحدبه عند أبي تمام:
قاسمتها تل بطريق فكان لها ... أبطالها ولك الأطفال والحرم
تلقى بهم زبد التيار مقربة ... على جحافلها من نضحه رثم
الرثم بياض في شفاه الخيل وجحا فلها شفاهها المفرد جحفلة والمراد هنا صفة سفينة بياض الماء حول مقدمها كأنه رثم حول جحفلة فرس. وزبد التيار هذه صدى مباشر من «فعزه البحر ذو التيار والحدب». وذكروا عن أبي الطيب أنه كان ينكر أن يكون يأخذ من المحدثين وأنه إنما كان يأخذ من القدماء. فإن صحت هذه الرواية فما يكون عدا بها الكتابة، إذ شعر أبي تمام مشحون بالقدماء، لا يخلو من نظر في شعره من أن ينظر فيما يضمنه أو يشير إليه من شعرهم.- ثم بعد قوله: تلقى بهم زبد التيار قوله:
دهم فوارسها ركاب أبطنها ... مكدودة وبقوم لا بها الألم
يريد السفن، فالدهم من صفة الخيل وركوب الأبطن من نعت السفن.
وخاتمة هذه الميمية فيها صدى من خاتمة أبي تمام، وذلك قول أبي الطيب:
القائم الملك الهادي الذي شهدت ... قيامه وهداه العرب والعجم
ابن المعفر في نجد فوارسها ... بسيفه وله كوفان والحرم
وهذا قريب من قول أبي تمام «خليفة الله جازى الله سعيك عن إلخ» - ثم