للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

وهي فخمة جزلة، غير أن فرق ما بينها وبين بائية حبيب كفرق ما بين سيف الدولة والمعتصم.

وأفخم من «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» وأشد شبهًا ببائية حبيب واتباعًا لها ميميته التي قيل إنها أخر ما أنشده سيف الدولة:

عقبى اليمين على عقبى الوغي ندم ... ماذا يزيدك في إقدامك القسم

وهذا المطلع فيه نفس من مطلع البائية لما فيه ما بين اليمين والوغي من مقابلة غير بعيدة جدًا من مقابلة ما بين السيف والكتب- وسرعان ما قال أبو الطيب بعد هذا المطلع بأبيات قلائل.

أين البطاريق والحلف الذين حلفوا ... بمفرق الملك والزعم الذي زعموا

فهذا فيه أنفاس:

أين الرواية بل أين النجوم وما ... صاغوه من زخرف منها ومن كذب

وقد أبدع أبو الطيب في تصوير حركة الجيش غير أن نموذج البائية أمامه ومن جيد صناعته فيها قوله:

فما تركن بها خلدًا له بصر ... تحت التراب ولا بازًا له قدم

ولا هزبرا له من درعه لبد ... ولا مهاة لها من شبهها حشم

ترمي على شفرات الباترات بهم ... مكامن الأرض والقيعان والأكم

فهذه صفة غارة وحركة. وكأن قول حبيب:

غدًا يصرف بالأموال جريتها فعزه البحر ذو التيار والحدث

دعا أبا الطيب إلى صفة حركة العبور. وقد جاء بصورة جيدة منها في اللامية إذ قال:

ورعن بنا قلب الفرات كأنما ... تخر عليه بالرجال سيول

يطارد فيه موجه كل سابح ... سواء عليه غمرة ومسيل

تراه كأن الماء مر بجسمه ... وأقبل رأس وحده وتليل

وهذا وصف مشاهد، عظيم حيوية الحركة. وقد ألم أبو الطيب بصورة النيران والحريق، ولكنه أشرب ذلك الحركة وسرعة مجاوزته، ولقد علم إبداع حبيب في هذا الباب، فاكتفى منه بأخذة خلس لا يزيدها:

<<  <  ج: ص:  >  >>