للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلام النابغة في بابه غاية، فكل من جاء بعد قصر عن مداه فيه. وليست زيادة أبي تمام التي زادها «إلا أنها لم تقاتل» بكبير شيء وإنما أخذه من قول النابغة «تراهن خلف القوم إلخ» ولواه شيئًا عن وجهه. وما زاد مسلم وأبو نواس على أن ترنما بمعنى النابغة وذكرانا به. وقد افتن أبو الطيب حيث قال:

سحابٌ من العقبان يزحف تحتها ... سحابٌ إذا استسقت سقتها صوارمه

ونهجه ههنا حبيب الروح. ومع ذلك، على إجادته، لم يزد على مدى النابغة بشيء.

وقد تنبه ابن المعتز إلى حقيقة من بديع أبي تمام إما خفيت عن الآمدي وإما تعمد الإغماض عنها، وأقرب وجهٍ أن أمره شيء بين ذلك. إذ ابن المعتز لم يقصر إحسان أبي تمام على المعاني ولكن يقرن به أبدًا معها غيرها كقوله الذي مر: «فأما أن يكون في شعره شيء يخلو من المعاني اللطيفة والمحاسن والبدع الكثيرة فلا» -فالمحاسن والبدع شيء يضاف ب المعاني اللطيفة فيدخل في مدلولها اللفظ والصياغة والوزن وهلم جرا. وقوله أيضًا في نفس الفصل مما ينبئ أن هذه الزيادة التي زادها على قوله المعاني متعمدة: «فأما أن يشق غبار الطائي في الحذق بالمعاني والمحاسن فهيهات».

وإن يك الآمدي قد تعمد كتمان هذه الزيادة التي زادها ابن المعتز فمراده من ذلك على الأرجح أنه لا فضيلة في المعاني إذ هي مطروحة في الطريق كما قال الجاحظ وهي من مقالته سائرة محفوظة وكما قال قدامة: «إن المعاني كلها معرضة للشاعر» أي ممكنة. وإن لم يكن قد تعمده، فليس ذلك بعاذره في التقصير الذي قصره في حق أبي تمام.

وعندي أن أمر بديع أبي تمام لم يكن أمركم بالنسبة إلى مسلم وبشار أو بالنسبة إلى القدماء. قد أدرك أبو تمام سر ما ضجر منه النواسي وأصاب جوانب من حل مشكلته

<<  <  ج: ص:  >  >>