وذو الرمة أبو الباب الذي أخذ فيه مسلم وأبو نواس وأبو تمام من بعد. قول ابن المعتز ثم جاء مسلم فحشا به شعره جعله تمهيدًا لقوله من بعد ثم جاء أبو تمام فأفرط فيه وتجاوز المقدار. وقد كان ابن المعتز في خاصة ذوقه وهواه مقرًا بالسبق لأبي تمام شديد المحاكاة له والأخذ منه، حتى في طريقة التبدي التي كان يتبداها. وفي ترجمته وحديثه المختصر عنه في الطبقات الذي بأيدينا ما ينبئ عن دقة فهم لأسلوبه وهو بذلك قمن. قال مثلًا في الخبر الذي ساقه عن الحسن بن رجاء:«كنا مع أمير المؤمنين المعتصم بالرقة فجاء أبو تمام وأما في حراقني، فجعل ينشدني ويلتفت إلى الخدم والغلمان الوقوف بين يدي ويلاعبهم ويغامزهم» وكان الطائي من أكثر الناس عبثًا ومزاحًا، فقلت له، يا طائي قد ظننت أنك ستصير إلى أمير المؤمنين مع الذي أرى من جودة شعرك، فانظر: إنك إن وصلت إليه لا تمازح غلامًا ولا تلتفت إليه، فإنه من أشد الناس غيرة. وإني لا آمن إن وقف منك على شيء أن يأمر غلمانه فيصفعك كل واحد منهم مائة صفعة، فقال إذن أخرج من عنده ببدر مملوءة صفعًا». أ. هـ. ساق ابن المعتز الخبر لا للطعن في أخلاق أبي تمام ولكن لينبه على طريقته في الاستعارة وسرعة بادرته مع دقة غوصه فيها. أما الحسن بن رجاء فعسى أن يكون جاء بالخبر بلم يخل فيه من قصد الطعن في أبي تمام فقد روى عنه أنه زعم أنه هم بقتله لتركه الصلاة وإسراره الكفر.
وقال:«وشعره كله حسن» ثم فصل ذلك وقال: «ولو استقصينا ذكر أوائل قصائده الجياد التي هي عيون شعره لشغلنا قطعة من كتابنا هذا بذلك وإن لم نذكر منها إلا مصراعًا؛ لأن الرجل كثير الشعر جدًّا، ويقال إن له ستمائة قصيدة وثمانمائة مقطوعة، وأكثر ماله جيد، والرديء الذي له إنما هو شيء يستغلق لفظه فقط. فأما أن يكون في شعره شيء يخلو من المعاني اللطيفة والمحاسن والبدع الكثيرة فلا. وقد أنصف البحتري لما سئل عنه وعن نفسه فقال: جيده خير من جيدي، ورديئي خير