للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والحفاظ على عباداته، وتنفيذ الأحكام القضائية، واستيفاء الأموال الشرعية، وحماية الأوقاف، وبكلمة واحدة، العدل في مختلف أشكاله؛ وحق له عليهم، طاعته إلا فيما يخالف الشريعة، وإسداء المشورة إليه، وإظهار الاحترام له، وإمداده بالمعونة في قيامه «بأوزار مصالح الأمة» (١٢). وكان من واجب الإمام أن يطيع الله كما يطيعه مأموروه. ولهذا كان عليه أن يستشير العلماء، حماة شريعة الله. أما إذا ظلم، فلا يجوز خلعه كما يخلع المأمور، خوفًا من «اضطراب الأمور» (١٣).

من الواضح أن محور التفكير السياسي قد تحول عن مسألة مصدر السلطة إلى مسألة كيفية ممارستها، وأن هذا التحول، وإن كان من الممكن رده إلى التغير في ظروف الأمة، قد يكون راجعًا أيضًا إلى نمو ذلك النوع الجديد من التفكير الذي لمسنا أثره لدى الغزالي. ففي وقت باكر، كانت الفلسفة الإغريقية قد تسللت إلى عقائد الإسلام، أو قد يكون من الأدق القول بأنه، بتوسع الأمة، اعتنق الإسلام أناس كانوا مشبعين بالتفكير الإغريقي، مما جعلهم يفكرون في الإسلام بمفاهيم الفلسفة الإغريقية. وهكذا نشأت عقيدة في الإمامة متأثرة بـ «جمهورية» أفلاطون و «نواميسه» و «أخلاق» أرسطو (ليس من الثابت أن كتاب أرسطو «في السياسة» قد ترجم إلى العربية)، فحاول أصحابها، على ضوء نظرية عامة في الحكم والمجتمع، أن يجيبوا على هذه الأسئلة: من هو الحاكم الشرعي للجماعة الإسلامية، وماذا عليه أن يعمل؟

انطلق الفلاسفة من العقيدة الإغريقية القائلة بأن هناك توافقًا جوهريًا بين الطبع البشري والمجتمع، مما يجعل من المحال على الإنسان أن يبلغ غايته الطبيعية إلا وسط الجماعة، وبأن الحياة الفاضلة هي حياة الفرد الذي يؤدي الوظيفة الخاصة به في الدولة الفاضلة. لذلك كانت الدولة ضرورة من ضرورات الطبيعة الإنسانية. والدولة الفضلى هي التي يحكمها الإنسان الأفضل. والإنسان الأفضل ليس هو

<<  <   >  >>