على الحكم المدني أيضًا. فأي حاكم، مهما كان مصدر سلطته، خير من الفوضى. نعم، على الإمام أن يحاول إقامة العدل الطبيعي بحيث لا يخالف الشريعة (وقد وضع الغزالي نفسه كتابًا في «نصيحة الملوك»)؛ ولكن حتى لو لم يعدل، فلا يجوز خلعه إذا كان في «منازعته إثارة الفتن»(٩).
في تضاعيف هذا الرأي يكمن المبدأ القائل بأن السلطة السياسية ضرورة من ضرورات الحياة البشرية. لذلك، وبمعنى من المعاني، كانت كل سلطة من الله، ويجب أن تطاع. إلا أنه من الضروري التمييز، بالنسبة للشريعة، بين الحكم الصالح والحكم الفاسد. فعلى الحاكم أن يعمل في نطاق الشريعة الإسلامية وأن يؤيدها. ولما كانت الشريعة تقتضي إمامًا، وجبت الإمامة. أما شخص الإمام، فهو أمر ثانوي، ويجوز الاستغناء عن الأوصاف التي يعتبرها الفقهاء ضرورية، إذا كان التمسك بها يؤدي إلى إثارة الفتنة. كانت هذه النظرة كافية لسد حاجات الدول الجديدة، فقبلت بها تلك الدول كأساس معنوي لسلطتها. وقد برزت، بعد ثلاثة قرون، نظرة مماثلة لها على لسان مدافع رسمي عن المماليك، هو بدر الدين ابن جمعه (١٢٤١ - ١٣٣٣). فقد قال بوجوب الحاكم وبأن لا عدل بدونه، فهو ظل الله على الأرض (١٠)، وعلى الجماعة القبول به أيًا كان. وهذا يصح في الإمام كما يصح في سائر الحكام. والإمام إما أن يختار اختيارًا، أو أن يفرض نفسه بشوكته الخاصة. وفي كلتا الحالتين، يجب أن يطاع للحفاظ على ترابط المسلمين وتأمين وحدتهم. وإذا خلعه آخر، فهذا يجب أيضًا أن يطاع:«نحن مع الفاتح»(١١). ولما كانت الطاعة واجبة على كافة المسلمين، وجبت أيضًا على الإمام نفسه. فإذا استولى ملك على بلد بالقوة، فعلى الإمام أن يفوض الأمور إليه، وأن يدعو المؤمنين إلى طاعته، خوفًا من انقسام الأمة وحلول الوهن فيها. إلا أن الرابطة بين الحاكم والمحكومين تبقى رابطة خلقية. فحق لهم عليه حراسة الدين الحنيف،