للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لا يحكم إلا نيابة عن الخليفة الذي يبقى محتفظًا بوظائفه السياسية والإدارية، حتى لو لم يمارسها بنفسه.

إلا أنه أصبح من الصعب، أكثر فأكثر، القول بأن السلطان يستمد سلطته من الخليفة، بعد أن اتضح أن السلطان هو الذي كان، في واقع الأمر، ينصب الخليفة ويخلعه. وإننا نستدل على ذلك في أقوال للغزالي مبعثرة في تآليفه الموضوعة بعد قرنين. من ذلك أن المهم الواجب، في نظر الغزالي، هو أن يكون هناك «إمام مطاع» أما مسألة من هو ذلك الإمام، وكيف يتم اختياره، فمسألة مهمة، لكنها تأتي منطقيًا في الدرجة الثانية من الأهمية. فالإمام واجب، لأن نظام الدين واجب، ولا يحصل نظام الدين إلا بنظام الدنيا الذي يكفل بقاء الحياة وسلامة قدر الحاجات من الكسوة والمسكن والأقوات وما أشبه.

وإذ اقتضى لهذين النظامين نظامًا شرعيًا، باتت وظيفة الإمام الجوهرية دعم هذا النظام الشرعي. ولهذا لا بد أن يتوافر في الإمام شرطان: أن يكون حائزًا على أوصاف شخصية معينة، وأن تتم توليته بعهد من غيره. والتولية تصدر، بحسب النظرية التقليدية، أما عن النبي أو عن الإمام السالف. أما الغزالي، فقد أضاف طريقة ثالثة هي ما يسميه «بالتفويض من رجل ذي شوكة». وهو يذهب إلى أبعد من ذلك، فيقول بأنه من الممكن الاستغناء، عند الاقتضاء، عن الشروط المعتبرة في التولية، فيولي الإمام نفسه، إذا كان حائزًا على المؤهلات الضرورية، وهو حتى لو كان مفتقرًا إليها، ولكنه كان مستعدًا لاستفتاء العلماء في القيام بوظيفته، فلا يجوز خلعه، إلا إذا كان ذلك ممكنًا من غير إثارة الفتنة. هذا القول يكشف عن مصدر تفكير الغزالي، وهو أن «الضرورات تبيح المحظورات». فالإمامة، مهما كانت، هي خير من «تشتيت الآراء». إذ أنه لو لم يكن من إمام، لبطلت الأنكحة والأفعال الشرعية الأخرى، وانعدمت الشريعة وانتفى بذلك وجود الأمة. ويصح هذا التعليل

<<  <   >  >>