للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الإيجابي، فكان استمرار سلطته وتدعيمها وممارستها، على ضوء العدل الطبيعي أو مصلحة الدولة، لتنظيم طبقات المجتمع المختلفة. هذه هي النظرة التي جاء يعبر عنها ويشرحها نوع جديد من المؤلفات السياسية المخصصة لإرشاد الحكام إرشادًا عمليًا. وكانت أخطار من الخارج تتحدى الشريعة في الوقت نفسه. فمنذ القرن العاشر حدثت هجرات عديدة لقبائل عربية إلى الصحراء السورية، وعبر سيناء إلى وادي النيل وشواطئ أفريقيا الشمالية، حملت معها إلى قلب العالم المتحضر عصبية القبيلة وتقاليد الجاهلية الوثنية.

بدا إذ ذاك أن الملك قد عاد إلى الوجود، كما بدا أيضًا أن حكم الأتراك والقوقازيين كان ضروريًا للأمة. ذلك أنهم حموه من الأخطار الداخلية والخارجية، وأعادوا للعقيدة السنية سيطرتها برد تحديات الشيعة الإسماعيلية. نعم، كان من الصعب التوفيق بين نظام السلطنات وبين العقيدة السياسية في الخلافة، إلا أنه تعذر أيضًا إدانة ذلك النظام كليًا. وعلى هذا، أثيرت من جديد المسألة الأساسية للتفكير السياسي: بأي معنى يمكن القول إن للحكام الجدد الحق في حكم الجماعة الإسلامية؟ فإذا كان ليس لهم هذا الحق، فهل كانت الجماعة، التي أنشأها النبي وعهد بها إلى خلفائه، ما تزال قائمة؟

حاول الماوردي، يوم كانت السلطة في دور الانتقال، أن يرد على هذا السؤال بالقول إن للخليفة أن يفوض سلطته في إقليم بعيد من أقاليم الإمبراطورية إلى قائد عسكري (أمير)، وفي وسطها إلى «وزير تفويض»، وأن هذا التفويض قد يتم اختيارًا، كما قد يتم اضطرارًا في حالة الفتح أو في ظروف أخرى، وبهذا يصان الأساس الشرعي والخلقي للحكم، فيخرج «من الفساد إلى الصحة ومن الحظر إلى الإباحة» (٨). لكن كان على الأمير، مقابل ذلك، أن يعترف بوجوب الخلافة، ويظهر الطاعة والورع، ويحافظ على الشريعة ويطبق أصولها المالية. وفضلًا عن ذلك، فقد كان عليه أن

<<  <   >  >>