للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

طابع الحكم العربي. ولم يكن العلماء قضاة وأساتذة وموظفين فحسب، بل كانوا مستشارين أيضًا، يعهد إليهم بالمفاوضات الأجنبية، كما كان لهم ضلع في سياسات القصر وثوراته. ومع أنهم كانوا على العموم طيعين للأمراء، يتجنبون الاشتراك في الثورات ضد حكمهم، فقد كانوا، بمعنى ما، زعماء الاتجاه الشعبي في مصر وسوريا، المعادي للطبقة العسكرية التركية أو القوقازية (٧).

أثارت هذه التقلبات مجددًا مسألة السلطة بكاملها. فما صح على الخلافة من أنها كانت واحدة، مبدئيًا على الأقل، وعالمية، قائمة على مساواة رسمية في الحقوق والواجبات بين جميع المؤمنين، ومن أن صاحبها كان، بادعائه الشخصي وباعتراف الجميع، خليفة للنبي في وظيفته السياسية يمارسها وفقًا للشريعة، لم يعد يصح على السلاطين الذين استولوا على سلطته فيما بعد. فقد كان حكمهم محصورًا في بقعة محدودة. ومع أن حدودها كانت قائمة بمقتضى الواقع فقط -إذ لم يكن هناك حدود تفصل حقوقيًا بين دولة إسلامية وأخرى- ومع أن المماليك كانوا، باحتفاظهم بالخليفة في بلاطهم، يبررون مسبقًا ما قد يقومون به من فتوحات، فإنه لم يكن بوسعهم، ولا بوسع سواهم من حكام ذلك الزمان، الادعاء بأنهم كانوا يحكمون الأمة جمعاء. ثم إن السلطة السياسية كانت في حوزة فريق عرقي واحد، يعتمد في بقائه في الحكم على تعاون أبناء عرقه. نعم، كان السلطان لا يتولى السلطة رسميًا ما لم ينصبه الخليفة، إلا أنه لم يكن خافيًا على أحد أن توليه الفعلي كان بالاستيلاء أو بالوراثة، لا بالطريقة الشرعية المعتبرة لدى الفقهاء، وهي الاختيار من قبل أهل الشورى أو من قبل الخليفة السابق. وكانت الشريعة وقضاتها يتمتعون كذلك بالاحترام، إلا أنه كان يقوم إلى جانب الشريعة الأحكام والمراسيم الصادرة عن السلطان، يطبقها هو بنفسه أو بواسطة موظفيه وهم بحضرته في الديوان، مما كان من شأنه أن يجعل من الشريعة مبدأ سلبيًا لا غير، أي أمرًا على الحاكم أن لا يخالفه، لا أمرًا يوجه سلوكه. أما هدف السلطان

<<  <   >  >>