حقوق وهو في هذا الوضع. وقد أدى انتقال السلطة هذا إلى تغيير في المؤسسات السياسية. فالدول الجديدة التي نشأت، والتي كانت سلطنة المماليك في مصر أعلى نموذج لها، قد اختلفت في تركيبها عن الخلافة. فالحكم فيها كان في قبضة زمرة عسكرية، من أواسط آسيا أو من أصل تركي أو كردي أو قوقازي، قوامها السلطان ومواليه ومحاسيبهم، استولت على الحكم استيلاءً، فكان همها الأول الاحتفاظ به، فتفردت بمهمة الإشراف على الجيش وكافة الموظفين. وكانت الرابطة بين أفراد الفئة الحاكمة هي رابطة المصلحة المشتركة وتضامن اللغة الطبيعي وإن دون صلة الرحم. أما في تدبير مصالح الدولة، فكانت الشرائع كناية عن أوامر صادرة عن السلطان، يسهر على تنفيذها بنفسه أو بواسطة حكامه، ويستمدها من اعتبارات مصلحة الدولة. وهكذا كانت الدولة في جوهرها ملكًا. إلا أن ما كان يخفف من طابع هذا الملك الدنيوي ويضفي عليه مسحة خلقية إجلاله للإسلام والخليفة والعلماء. نعم، لم يكن الخليفة- الظل، بالواقع، سوى موظف في بلاط السلطان، لا حول له ولا قوة، إلا أنه كان ضمانة للعقيدة السنية في وجه خطر الشيعة المتربص في أشكالها المتعددة، كما كان قاعدة معنوية لشوكة السلطان. فالسلطان، وقد تولى الحكم بالاستيلاء، إنما كان ينصبه الخليفة رسميًا، ثم يعترف أعيان الشعب به في حفلة البيعة. أما العلماء وما يمثلونه، فكانوا يعاملون أيضًا باحترام على أنهم حراس الآداب والشرائع الإسلامية، واللغة والثقافة العربيتين المقترنتين بها. وكان السلطان يحمي ويكرم الشرائع التي كانوا يدرسونها ويفسرونها، والقضاة الذين كانوا يطبقونها، وإن كان هو الذي يحدد، استنادًا إلى الحق الممنوح للحاكم بموجب تلك الشرائع نفسها، القضايا التي يحق للقضاة الفصل فيها. وكان أيضًا يرعى المدارس التي كانت تلقن الشرائع الإسلامية واللغة العربية، وينتقي موظفي الدولة الدائمين من بين طلاب هذه المدارس، مقويًا بذلك