الذي كان يدافع عنه. ففي هذه الظروف اضطر المسلمون القائلون بوجوب سلطة الخليفة أن يشرحوا، بصراحة والمرة الأولى، حقيقة الخلافة ودواعي وجودها. وكان أشهر هذه الشروح شرح الماوردي (٩٩١ - ١٠٣١) في كتابه «الأحكام السلطانية». ففيه يعرف الماوردي الخلافة بأنها ضرورة مستمدة بالأحرى من الشرع لا من العقل. فالقرآن يفرض على الناس طاعة أولي الأمر منهم (٥)، وهذا يستلزم وجود من يخلف النبي في حراسة الدين وسياسة الدنيا، مما يجعل مهام الخليفة دينية وسياسية على حد سواء: فهو يعني بالحفاظ على الدين الحنيف، وبتنفيذ الأحكام الشرعية، وبحماية تخوم الإسلام، وبجهاد من يرفضون الإسلام بعد الدعوة، وباستيفاء الأموال الشرعية. وعلى العموم، فالخليفة معني بالإشراف على تدبير الأمور بنفسه، دون الإفراط في تفويض السلطة لغيره. وكان من واجبه أن يتحلى بصفات معينة، جسدية وعقلية وروحية، وأن يتوافر فيه أيضًا شرط خارجي: الانتساب إلى قبيلة النبي، قريش. وكان عليه أن يتسلم الخلافة من غيره، إما باختيار من أعيان الجماعة، «أهل الحل والعقد»، وإما بعهد من الخليفة السابق. وكان على الناس، بعد توليه، أن يقوموا بواجب الطاعة له، ولا يسقط عنهم هذا الواجب إلا إذا كان الخليفة فاسقًا، أو دان بآراء منحرفة، أو كان على عاهات جسدية تحول بينه وبين قيامه بواجباته (٦).
ما أن أعرب عن هذه العقيدة في السلطة حتى جاءت حركة التاريخ تتخطاها. ذلك أن انقسام السلطة بين الخليفة العباسي والأمير التركي كان قد أصبح أمرًا نهائيًا لا مرد له، كما لم يكن من مرد لانتقال الحكم من بغداد إلى عواصم أخرى. فبعد تدمير بغداد على يد المغول في منتصف القرن الثالث عشر، استمر الخليفة عائشًا، لكن كالظل، في بلاط سلاطين المماليك في مصر، وكان عدد قليل فقط من الفقهاء على استعداد للاعتراف بما يدعيه من