قد يكون من الأصح القول بأن الشرع الإسلامي إنما نشأ عن امتزاج تلك العادات والتقاليد بالمبادئ والأحكام المستمدة من القرآن والحديث الصحيح. وقد اقتضت هذه العملية، ولا شك، بعض التعديل في الشرع والتقليد، كان من شأنه أن يحدث تقاليد جديدة تضفي بعض الجلال الإسلامي على ما لم يكن إسلاميًا في الأصل. غير أن الاتجاه المعاكس فعل فعله أيضًا، فجرت عملية انتقاء من بين العادات والتقاليد، فرفض البعض، وقبل البعض الآخر، وعدل حتى في البعض المقبول، على ضوء تعاليم الإسلام. بهذا التطور البطيء، الذي لم يكتمل قط، والذي لا يمكن بالفعل أن يكتمل أبدًا، تشبعت بمثل الإسلام الخلقية العليا تلك الأنظمة الاجتماعية التي كانت سائدة في البلدان العديدة المهتدية إليه، ونشأ مجتمع إسلامي عميق الوحدة.
لا ندري هل كان بوسع هذا التطور أن يحصل لو لم يكن للجماعة، في المرحلة الأولى من تكوينها، بناء سياسي وإداري موحد. لكننا نعلم أن المجتمع والشرع الإسلاميان الصرف لم يترعرعا إلا في عهد الخلفاء وبفضل سلطتهم. فليس مستغربًا، إذن، أن نعتبر الخلافة، يومئذ وإلى فترة طويلة، شرطًا ضروريًا للمحافظة على الشرع والمجتمع. ولم يكن من الضروري الدفاع عن وجوبها يوم كانت قائمة ومزدهرة. لكن، ابتداءً من القرن التاسع، أخذت وحدة الإسلام السياسية تتفكك، أو على الأقل، تتغير في شكلها. فأخذ جنود المرتزقة من الأتراك، الذين انتهى الأمر بالخلفاء العباسيين إلى الاعتماد عليهم، يمارسون سلطة كانت تتزايد يومًا عن يوم في العاصمة، فيولون الخلفاء ويخلعونهم ويتدخلون في السياسة والحكم. وأخذت تظهر في الأقاليم أسر حاكمة جديدة، بقيت تعترف مبدئيًا بسيادة الخليفة وتحكم باسمه، إلا أنها كانت عمليًا مستقلة في حكم دويلات محدودة المساحة. وتحدت الشيعة، التي عادت منتعشة في صيغتها الإسماعيلية، حق الخليفة في الحكم ونوع النظام الإسلامي