المسلم أن يصر على القول بأن مبادئ الإسلام قد تجسدت في الجماعة على عهد الخلافة؛ غير أنه بوسعنا أن نرى عن كثب حركة التطور التي تم بها ذلك. ففي صميم حركة التطور هذه نجد التقليد الحي لأهل السنة والجماعة، تلك الفئة التي، بدون تنظيم وترتيب، ولت نفسها بنفسها واعترفت لنفسها بهذه الولاية، والتي كان قوامها أولئك المسلمين الغيارى، المؤمنين بالوحي المحمدي، الحريصين على صيانته من التحوير والتغيير وسط تقلبات الزمن، المستهدين به في القضايا الناشئة عن هذه التقلبات، المدافعين عنه، المستخرجين منه ما تضمنه من مستلزمات استخراجًا لا يرفض ما كان جديدًا، بل بالأحرى يميز بين ما يمكن أو لا يمكن للإسلام أن يتقبله. فهؤلاء هم الذين بنوا نظام المعتقدات السنية، ردًا على سلسلة من التحديات الصادرة عن الفلسفة الإغريقية، وعن الطريقة الصوفية ومذهبها الكلامي، وعن الشيعة وتفرعاتها. فمن الفلسفة الإغريقية اقتبسوا فن المنطق وبعض مفاهيم اللاهوت الطبيعي، بينما قاوموا نزوعها إلى تحويل الإله الحي، إله التوراة والقرآن، إلى مبدأ مجرد أو مقتضى فكري؛ وعن التصوف أخذوا حرصه على التعبد الداخلي وعلى إخلاص النية مع صحة الفعل، بينما نظروا بحذر إلى مذهبه في وحدة الوجود الذي يحجب التمييز بين الله ومخلوقاته، وقبحوا كل فكرة توحي بأن معرفة الله بالاختبار المباشر هي أهم من التقيد بشرائعه؛ ومن الشيعة استمدوا شعور الإجلال لأهل البيت بينما أدانوا الآراء العرفانية الكامنة بين طيات تعاليم غلاة الشيعة، وبنوع خاص نزوعها إلى إحلال فكرة الفيض الإلهي محل فكرة النبي الإنسان.
وقد جرت عملية تطور مماثلة على صعيد آخر. فقد أخذت العادات والتقاليد الخاصة بالمجتمع الإسلامي الأول، والتي كان الكثير منها متوارثًا عن عوالم ما قبل الإسلام البيزنطية والفارسية والعربية والجاهلية، تنساب تدريجًا إلى جسم الشرع الإسلامي. أو