للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

للحكام والمحكومين جميعًا، وأمثولة لما أنعم الله به على قومه، كما أصبحت درسًا في شرور التفرقة وعصيان مشيئة الله. لقد كانت، بالحقيقة، مادة للتفكير في القضايا الخلقية التي تعانيها الأمة في حياتها المشتركة: فالصراع على الخلافة بين علي ومعاوية، ثم بين الأمويين والعباسيين، ومصرع الحسن والحسين، وتقتيل الأمويين، وانسحاب الخوارج من صفوف الجماعة وقد اعتبروها متورطة في الخطيئة بلا أمل الرجعة عنها، وحركة الانقسام بين السنة والشيعة، كل هذه الأحداث إنما تعيش حية في الوجدان الإسلامي، فتجعله يعي الصعوبات التي تعترض تجسيد المشيئة الإلهية في حياة المجتمع، كما تحمله على الاعتقاد بأن ما له من معنى في التاريخ قد بلغ نهايته بتجسد رسالة محمد في جماعة عالمية تصدع للأمر الإلهي، وأنه لم يعد بوسع التاريخ من بعد أن يلقي على البشر دروسًا جديدة، وأنه إذا حدث التغير فلن يفضي إلا إلى الأسوأ، وأنه لا يمكن إصلاح الأسوأ بإيجاد شيء جديد، بل ببعث ما وجد من قبل. إن هذه النظرة إلى الماضي تنطوي في جوهرها على فكرة الانحدار: فقد قال الرسول في حديث مشهور: «خير القرون القرن الذي أنتم فيه ثم الذي يليه، ثم الذي يليه». غير أن ما كان يعزي قلوب العامة إيمانها بظهور مصلح أو مجدد في كل قرن، وترقبها لمجيء المهدي المرسل من الله لاستئناف حكم الأولياء وتمهيد السبيل لمجيء عيسى ونهاية العالم.

التاريخ هو ما يحتاج الناس إلى تذكره من أحداث الماضي. والتحسس بالتاريخ لا يثير الرغبة في إعادة بناء الماضي بكامله إلا في أوقات نادرة ولدى جماعات صغيرة. لقد نظر المسلمون إلى عصر الإسلام الأول العظيم كأنه صورة لما ينبغي للعالم أن يكون عليه. وإذا طرحنا أسئلة مختلفة عن الماضي، أمكننا أن نرى ما كان منها. بمعنى من المعاني، غير وارد في نظرهم: واقع التطور التاريخي. فعلى ضوء هذا الواقع تخف حدة التباين. نعم، لا يزال بإمكان

<<  <   >  >>