إلى اعتبارات بشرية تهيمن عليها مشاعر بشرية أو مجرد حسابات بشرية للغايات والوسائل وتنصرف إلى أهداف أرضية (الملك)، جاءت السلطة في الأمة الإسلامية ولاية من الله، تخضع لإرادته، وتستهدف سعادة المسلمين في الحياة الآخرة أكثر مما تستهدف سعادتهم في الحياة الدنيا.
يرى المسلم السني أن التاريخ حركة صراع حل بفعلها المجتمع الإسلامي الأمثل محل مجتمع الجهل الديني الساعي وراء الأهداف الدنيوية، والمتحد بالتضامن الطبيعي، والخاضع لحكم الملوك. وعنده أن هذا الصراع قد استمر، بمعنى من المعاني، طوال التاريخ، في كل زمان وكل مكان أرسل الله فيهما أنبياءه إلى أمم معينة، وأنه لا يزال، بمعنى من المعاني أيضًا، مستمرًا حيثما تجابه الأمة الإسلامية العالم الذي لم يهتد بعد. إلا أن المسلم السني ينسب إلى حقبة معينة من التاريخ أهمية خاصة، هي تلك الحقبة التي تم خلالها تجسيد الوحي الأخير في مؤسسات المجتمع. خلال تلك الحقبة وفيما بعدها، تراءى للمسلم الورع أن معنى خاصًا يكمن في تاريخ الإسلام الأول، يوم كانت الجماعة على توسع وازدهار، وكان القرآن وأقوال النبي بمثابة مبادئ للعمل، وكانت الأمة واحدة، لا بالروح فحسب، بل بمظهرها الخارجي أيضًا. وبدت قرون الإسلام الأولى لمخيلة المسلم الخلقية كأنها دراما مثيرة مؤلفة من ثلاثة فصول: عصر النبي وخلفائه الأولين، وهو عصر الأمة الذهبي الذي كانت فيه على ما ينبغي أن تكون؛ والعصر الأموي، الذي طغت فيه على مبادئ الدولة الإسلامية نزعة الطبع البشري إلى الحكم الملكي المدني؛ وأخيرًا، العصر العباسي الأول، الذي عادت فيه مبادئ الأمة فتأكدت من جديد، وتجسدت في مؤسسات إمبراطورية عالمية تسودها الشريعة، وتقوم على المساواة بين جميع المؤمنين، وترتع في بحبوحة القوة والثروة والثقافة التي إنما هي ثواب الطاعة. وقد غدت هذه الحقبة التاريخية، خلال العصور المتأخرة، مثالًا