الشرائع، ولا وظيفة النبي في إعلانها؛ وإنما كل ما في الأمر أن الصلاحيات القضائية والتنفيذية قد انتقلت منه إليهم. فكان على الخليفة، في الاعتقاد السائد، أن يقود الجماعة في السلم والحرب، ويستوفي الأموال الشرعية، ويشرف على تطبيق الشرائع؛ وهو، فضلًا عن ذلك، إمام الصلاة، وعليه أن يكون متضلعًا في علم الشريعة ومؤهلًا لممارسة سلطة الاجتهاد. فهو، بهذا المعنى المحصور فقط، خليفة للرسول. إلا أنه، حتى في هذا المعنى، لا غنى للجماعة عنه، كحاكم بحق إلهي يتولى، مبدئيًا، أمور الجماعة بكاملها. ذلك أن معظم الفقهاء، إن لم يكن كلهم، قالوا بأن وحدة الأمة تستلزم وحدة السلطة السياسية. «إن من مات على جهل خليفة زمانه كمن مات في عصر الجاهلية».
كان الرأي المجمع عليه لدى أهل السنة أن لحاكم الأمة وحده، من دون الله، مسؤولية الحكم. فهو ليس مسؤولًا، في آخر الأمر، إلا أمام الله وأمام ضميره. أما طريقة تسلم الحكم، فكانت تتم، في عصر الإسلام الأول، بالشورى، أي باختيار، أعيان الجماعة. وقد بقيت فكرة الاختيار هذه حية مع الزمن، ترمز إليها دومًا مراسم البيعة، التي كان فيها يتم الاعتراف الرسمي بالخليفة الجديد، وبها يتم له ولاء أعيان الأمة. إلا أن البيعة تحولت، بعد انصرام العصر الأول، إلى مظهر شكلي فقدت فيه حتى نظريًا معنى الاختيار وغدت، بالأحرى، مناسبة للاعتراف بالخليفة لا لاختياره. إذ لم تكن الجماعة، في رأي معظم المفكرين، لتمنح السلطة بالبيعة، بل لتقبل بها. وهذا ما استلزم أن تكون طاعة الحاكم واجب الجماعة الأول نحوه. إلا أن هذه الطاعة ليست عمياء وبلا قيد. بل كان على الحاكم، في الرأي السائد، أن يستشير أعيان الجماعة (الشورى)، وكان عليهم أن يسدوا إليه المشورة. على أنه لم يكن واضحًا بالضبط ممن كان على الحاكم أن يلتمس المشورة والنصح، كما لم يكن واضحًا أيضًا مقدار التزامه بالأخذ بهما. كان أئمة العصور الباكرة