للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نظامًا للشرائع ونظامًا للخلقية على حد سواء. لكنه كان لا بد، لحراسة الشريعة، وفرض العقوبات، والسهر على تنفيذ جميع الواجبات المأمور بها من الله، والدفاع عن الأمة ضد أعدائها، وتوسيع حدود الإيمان بالجهاد، أن يكون على رأس الأمة قائد ذو سلطة، أو بتعبير آخر أن يكون هناك سلطة سياسية. لذلك كان من المتعذر على المجتمع الإسلامي أن يكون تامًا، ما لم يكن دولة. وهكذا غدا العمل السياسي نوعًا من التعبد لله. «فالواجب اتخاذ الإمارة دينًا وقربة يتقرب بها إلى الله» (٣).

وعلى هذا أصبحت مهمة تأسيس المجتمع وقيادته، في نظر معظم المسلمين، جزءًا من وظيفة النبي الجوهرية وخلفائه الشرعيين. إلا أنهم لم يجمعوا على خلافة الرسول. فذهبت الشيعة إلى أن سلطة محمد قد انتقلت، في بادئ الأمر، إلى صهره علي، ثم إلى سلسلة المتحدرين منه الذين اختفى أخيرهم، (وإن اختلف في أيهم كان هذا الأخير: الخامس أم السابع أم الثاني عشر)، ناسبة إلى أعضاء هذه السلسلة، وهم الأئمة، لا السلطة السياسية فحسب، بل العصمة في تأويل القرآن.

أما أهل السنة، فإنهم قالوا بانتقال سلطة محمد إلى الخلفاء من بعده، أي إلى أولئك القادة الذين بايعتهم الجماعة، فخلفوا النبي، لكن في جزء فقط من وظائفه وصلاحياته. إذ أن السيادة الحقيقية في الأمة إنما هي لله، بمعنى أن الله ليس هو مصدر كل سلطة فحسب، بل الممارس لتلك السلطة. فالحكام، كسائر الناس، ما هم بفاعلين مستقلين، إنما هم وسائل الله في عمله. وأن يكون الحاكم، كسائر المسلمين، صالحًا أو طالحًا، هو أن يخضع لمقاصد الله أو أن يخرج عليها. لذلك كانت الشريعة، أي التعبير عن الإرادة الإلهية، العنصر الأساسي في المجتمع، وكان شطر كبير من العمل السياسي، أي التشريع، خارجًا، من حيث المبدأ، عن صلاحية الحاكم. ولم يكن للخلفاء، نظريًا، لا قدرة الله على سن

<<  <   >  >>