للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فهي متحدة أيضًا وأعضاؤها متساوون. فالمسلمون كلهم، أيًا كانت ثقافتهم أو عرقهم، إنما ينتمون إلى الأمة بالتساوي، لهم حقوق واحدة وعليهم مسؤوليات واحدة. وقد جمعت هذه الوحدة المعنوية حتى بين من تباينت مذاهبهم في حقيقة الإسلام وقضايا النهج والعقيدة، منذ أن ظهرت فرقة الخوارج احتجاجًا على الميل إلى تضحية المبادئ في سبيل الغايات؛ كما كان قد برز الانقسام الكبير بين السنة والشيعة، الذي نشأ أصلًا عن نزاع سياسي حول خلافة الرسول، ثم امتد تدريجًا إلى ظلال من الفوارق في العقيدة والشرع والعرف؛ وعن الشيعة نفسها كان قد انبثق عدد من الفرق، كالإسماعيلية والنصيرية والدروز، غالت في بعض العقائد الشيعية وأدخلت عليها عقائد أخرى مستمدة من مصادر غريبة. نعم، كان المتزمتون من المسلمين السنيين يميلون إلى إخراج هذه الفرق من حظيرة التساهل، لما كانوا يرونه في تعاليمها من تهديد لتعاليم الإسلام الجوهرية؛ إلا أنه كان هناك شعور مشترك، لدى السنة والشيعة وتفرعات كل منهما، بالانتماء معًا إلى الجماعة الواحدة، شعور قائم على اعتقاد راسخ لدى المسلمين بأن وحدة العيش معًا إنما هي أهم من الدفع بالخلافات العقائدية إلى نتائجها المنطقية. وكان هذا يصح أيضًا على جماعات النصارى واليهود الذين استمروا على العيش تحت الحكم الإسلامي، في مصر وسوريا والعراق وغيرها من الأقطار. نعم، لم يعتبروا جزءًا من الأمة الإسلامية، إلا أنه كان معترفًا لهم، وهم «أهل الكتاب»، بأنهم أصحاب وحي حقيقي، يؤمنون بالله وبالأنبياء وباليوم الآخر، وإنهم بالتالي ينتمون أيضًا إلى الأسرة الروحية الواحدة التي ينتمي إليها المسلمون. وعلى هذا كانوا، وهم «أهل الذمة»، يتمتعون بالحياة وبالتملك وبممارسة دينهم وبالمحافظة على شرائعهم وعاداتهم، مقابل الولاء وإيفاء الجزية.

حددت الشريعة للناس ماهية العمل الصالح، كما فرضت عقوبات دنيوية معينة على العمل القبيح. فكانت الشريعة، بذلك،

<<  <   >  >>