طابع خاص يجعل منه ليس فعلًا فرديًا للترويض الذاتي فحسب، بل احتفالًا جماعيًا كبيرًا، وكانوا يؤدون معًا، في بياض ألبسة التوبة، فريضة الحج إلى مكة في أوقاتها؛ ويودعون الصدقات المفروضة بيت المال المشترك. وكانت الشريعة لا تقتصر على علاقة الإنسان بالله (العبادات)، بل تعنى أيضًا بالعلاقات بين الناس (المعاملات)، جاعلة منها أفعالًا ذات معنى ديني، يؤمر بها وينهي عنها. فالامتناع عن إيفاء الرسوم الشرعية ونفي وجوب أدائها هو جحود لا يقل عن إنكار وجود الله أو الطعن في صدق الرسالة النبوية (٢). ولم يقم الدين الإسلامي جهازًا من الحقوق والواجبات فحسب، بل خلق أيضًا تضامنًا خلقيًا لدعمه. لقد آمن المسلم بأن عليه أن يعنى بضميره وضمير جاره معًا، كما أن عليه أيضًا أن لا يكتفي بعمل الصالحات، بل أن يحث غيره عليها ويساعده فيها.
لا يخفى أن العرب كانوا أول من دعا إلى الإسلام، وأن بعضهم على الأقل كان يعتبره دينًا عربيًا صرفًا. إلا أن هذا الحديث:«ما من نبي إلا أرسل لقومه، وأنا أرسلت للناس جميعًا»، صحيحًا كان أم منحولًا، إنما يعبر عن النظرة التي توصل المسلمون، مع الزمن، إلى تكوينها حول دينهم. فقد أرسل الأنبياء السابقون، في بادئ الأمر، كل إلى أمة معينة لإنذارها وهدايتها. فكانت تتقبل الرسالة ثم تتنكر لها، أو تسيء فهمها، لا بل تعبث بنصوصها. لذلك نشأت الحاجة إلى تكرار الوحي. أما الوحي الأخير، الوحي النازل على محمد، فإنه يتميز عما قبله من وجهين: فهو رسالة إلى العالم أجمع، كما أنه يحمل في طياته ضمانة صدق تلك الرسالة وأمانة نقلها. والحديث:«لن تجمع أمتي على خطأ»، يعبر أيضًا، مهما يكن من أمر ثبوته، عما استقر عليه رأي المسلمين. فالوحي المحمدي يعتبر نفسه حقيقة أزلية جاءت لتحل محل كل وحي سابق. لذلك كانت الأمة الإسلامية، إمكانيًا، أمة عالمية. وبما أنها عالمية،