للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قال قائِل: أحيانًا وأحيانًا!

فالجَوابُ: هذا أيضًا لا يَنبَغي، بل يَنبَغي أن نَستَحضِر لكل لَفْظ مَعناه، وإلَّا صارت ألفاظًا جوفاءَ، كثِياب ليس فيها أَجْسام أو أجسام ليس فيها أَرْواح، وماذا تَقول في: (التَّحيَّات للَّه والصلوات والطَّيِّبات) وأنت لاهٍ ما عِندك إلَّا ألفاظ تَمُرُّ على القَلْب فقَطْ؟ ! لذلك يَنبَغي كُلَّما قرَأْتَها أن تَستَحضِرها وأنت تُصلِّي، ما مَعنَى التَّحيَّات للَّه، والصَّلوات، والطَّيِّبات؟

فـ (التَّحيَّات): كل لَفْظ دالٍّ على البَقاء والتَّعظيم والتَّكريم؛ لأن التَّحية مَعروفة تعظيم للمُحَيَّا وتَكريم له.

و(للَّه) مَعروف أنها مُستَحَقَّة للَّه، وأنها خاصَّة به.

و(الصلَوات): الفَريضة أو النافِلة، وهي العِبادة المَخصوصة ويَدخُل فيها الدُّعاء، فالصَّلوات بمَعنَى العِبادة المَخصوصة وبمَعنَى الدُّعاء أيضًا، كلُّه للَّه عَزَّ وَجَلَّ، فلا يُدعَى إلَّا اللَّهُ تعالى، ولا يُتعَبَّد بالصلاة إلَّا للَّه تعالى.

و(الطَّيِّبات): من الأقوال والأفعال خاصَّة باللَّه تعالى، وكذلك أَوْصافه، فالطَّيِّبات منَّا والطَّيِّبات منه، فكلُّ صِفاته طيِّبة، وكلُّ أَفْعاله طيِّبة، وكل أقواله طيِّبة، ومنَّا أيضًا: ما يَكون للَّه تعالى، ولا يَقبَله اللَّه تعالى إلَّا ما كان طيِّبًا؛ ولهذا قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ طَيِّبًا لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا" (١).

فمَن يَستَحضِر هذين المَعنَيَيْن وهو يُصلِّي أن الطَّيِّباتِ باعتِبارها صِفة للَّه تعالى


(١) أخرجه مسلم: كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، رقم (١٠١٥) من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>