بقي التنبيه على حديث عمر الذي أشار إليه المصنف، فأقول -وبالله المستعان-: أخرجه الخطيب البغدادي في «تاريخ دمشق» (٦/١٥) -ومن طريقه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١/٣١) - ولفظه: «أتاني جبريل، فقال: يا محمد! ربُّك يقرأ عليك السلام، ويقول: إنّ من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى، ولو أفْقرتُه لكفر، وإنّ من عبادي من لا يصلُح إيمانه إلا بالفقر، ولو أغنيته لكفر،....» . وهو عند الديلمي في «الفردوس» (٨٠٩٨) من حديث عمر -أيضاً-. وإسناده ضعيف، فيه يحيى بن عيسى النَّهشليّ الفاخوري الجرَّار الرَّمليّ، قال ابن معين في «تاريخ الدوري» (٢/٦٥١) : «ليس بشيء» ، وقال ابن حبان في «المجروحين» (٣/١٢٦- ١٢٧) : «كان ممن ساء حفظه، وكثر وهمُه، حتى جعل يخالف الأثبات فيما يروي عن الثقات، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به» . وقال ابن عدي في «الكامل» (٧/٢٦٧٣) : «عامة رواياته مما لا يتابع عليه» واللذان دونه، قال شيخنا الألباني في «السلسلة الضعيفة» (١٧٧٤) عنهما: «لم أجد من ترجمهما» . وعلَّق الكلاباذي (ت ٣٨٤هـ) في «بحر الفوائد» المشهور بـ «معاني الأخبار» (ص ٣٨٢- ٣٨٣) على الحديث، ففصل ما أجمله المصنف لما قال: «ويؤيّد كون الناس مختلفين» ، فقال: «وقوله: «إن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الغنى، لو أفقرته لأفسده ذلك» هذا -أيضاً- من نصيحته له، وذلك أن الله -تعالى- إنما أحب المؤمن لإيمانه؛ لأنه لما أحبه كتب في قلبه الإيمان، وحببه إليه، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان، فهو -عز وجل- يصرفه عما يخل بإيمانه؛ لئلا يخرج في حبه إياه شيء، وقد خلق الله عباده على طبائع مختلفة وأوصاف متفاوتة، فمنهم القوي، ومنهم الضعيف، ومنهم الرقيق، ومنهم الكثيف، ومنهم الوضيع، ومنهم الشريف. فمن علم الله -تعالى- من قلبه ضعفاً لا يحتمل الفقر أغناه، إذ لو أفقره إياه فهو -عز وجل- يغنيه، فيقربه بذلك منه، ويدنيه، فيصونه بغناه من أن ينصرف بحاجته إلى سواه ... » ، قال: «فإذا كان الفقر لبعض الناس منسياً، صرف الحق عمن عرف ذلك منه الفقر؛ لأنه لا يحب أن ينساه حبيبه، كما يكره أن ينظر إلى غيره قريبه، وكذلك من علم أن لا يصلح إيمانه إلا الفقر أفقره؛ لأنه -تعالى- يعلم أن الغنى يطغيه، وأن الفقر لا ينسيه، بل يشغل لسانه بذكره، والثناء عليه، وقلبه بالتوكل عليه، والالتجاء إليه» .