شكر الله عليه، وعلى جهة اتخاذه مركباً للآخرة، وهم كانوا أزهد الناس فيه، وأورع الناس في كسبه.
فربما سمع أخبارهم في طلبه من يتوهم أنهم طالبون له من جهة ملذاته وشهواته فحسب، وهذا جهل بالاعتبار الذي طلبوه، وحاش ÷ أن يطلبوه على علاته، إنما طلبوه من جملة عباداتهم -رضوان الله عليهم، وألحقنا بهم، وحشرنا معهم، ووفقنا لما وفقهم له بمنّه وكرمه-.
فلا نعرف أحداً اجتمع له مال كما اجتمع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكل ما سيق إليه جعله لأصحابه، وإقامة الدين، فكأني به -بأبي وأمي - صلى الله عليه وسلم - مع كونه المتسبِّب يرى أن ما وصل ليده من محض الفضل، وأنه كوكيل على تصريفه فقط، وليس له منه شيء، وهذه أعلى المراتب، وكان الواحد من أصحابه كالوكيل، يأخذ منه ما احتاج، وهو أقل مرتبة من هذا.
• مراتب الناس في حظوظهم في المال:
ولا شك أن الناس في أخذ حظوظهم على مراتب، وأن الأسوة لهم في ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وكانوا يهضمون نفوسهم، ويطرحون حظوظها، بفضل قوة يقينهم بالله؛ لأنهم عالمون بصفاته، وبيده -سبحانه- ملكوت السموات والأرض، وهو حسيبهم لا يخيبهم، فصارت الشهوة والنزوة والحظوة عندهم من قبيل ما قد ينسى، ويأنف الواحد منهم إلى الالتفات إليها على وجه ما فيها مزاحمة لحق الله -تعالى-، وهذه نماذج للتدليل على ذلك:
- صح عن عائشة -رضي الله عنها- أن ابن الزبير بعث لها بمال في غرارتين - قال الراوي: أراه ثمانين ومئة ألف-، فدعت بطبق وهي يومئذ صائمة، فجعلت تقسمه بين الناس، فأمست وما عندها من ذلك درهم، فلما أمست قالت:«يا جارية! هلُمّي أفطري» ، فجاءتها بخبز وزيت. فقيل لها: أما استطعت فيما قسمت أن تشتري