أخرى، فإنه يطلب الماء للصلاة الثانية؛ لأن الصلاة الثانية في حكم الأولى في توجه الخطاب بالطلب، وهذا إذا كان في غير الموضع الذي كان فيه في وقت الصلاة الأولى، أو فيه وحدث ما يوجب توهم وجود الماء وأما إذا كان بموضعه الأول ولم يحدث ما يقتضي توهم وجود الماء فلا يلزمه الطلب حينئذ؛ لأنه لا فائدة فيه لتحقق عدم الماء. ابن رشد: يريد بالتحقق غلبة الظن؛ لأن الظن في الشرعيات معمول به، وأما القطع بالعدم فقد لا يتصور. وقوله: وطلبه لكل صلاة؛ أي بعد دخول وقتها بنفسه أو بمن يستأجره بأجرة تساوي ما يلزمه بذله فيه؛ وكذا يلزمه طلب القدرة على استعمال الماء: فهو شرط في صحة التيمم كما في الحطاب. وفهم من قولهم: يلزم طلب الماء بعد دخول الوقت؛ أنه إذا مر بالماء في الوقت وهو ذاهب إلى موضع لا ماء فيه، أنه يجب عليه أن يستعمل أو يستصحب الماء، ولا يجري فيه الخلاف الجاري في وجوب استصحاب الماء على من ذهب قبل الوقت إلى موضع لا ماء فيه، وندبه -والله سبحانه أعلم- قاله جامعه عفا الله عنه.
وإن توهمه يعني أنه يلزمه طلب الماء لكل صلاة في أربع صور؛ وهي ما إذا تحقق وجود الماء، أو ظنه، أو شكه، أو توهمه. ولا يلزمه الطلب في صورة واحدة؛ وهي ما إذا تحقق عدمه أي تحقق عدم وجود الماء؛ إذ لا فائدة في الطلب. وقوله:"وإن توهمه" وفاقا لابن شاس وابن عطاء الله وابن عبد السلام؛ وخلافا لقول ابن رشد: لا يطلب حالة التوهم، إذ هو ظان عدمه. والظن في الشرعيات معمول به، وصوب كلامه ابن مرزوق، ولكن لا يعادل من تبعهم المص. وقد مر تفسيره؛ يعني ابن رشد لتحقق عدم وجود الماء بغلبة الظن.
طلبا لا يشق به يعني أنه إذا لم يتحقق عدم الماء، وقلنا إنه يلزمه طلبه لكل صلاة، فإنه يطلبه طلبا لا يشق به بالفعل؛ وهو على أقل من ميلين راكبا أو راجلا، فإن شق بالفعل؛ وهو على أقل من ميلين، فلا يلزمه الطلب راكبا أو راجلا. كما إذا كان على ميلين شق أم لا راكبا أو راجلا؛ لأنهما مظنة المشقة، فالصور ثمانية. وقبل خبر واحد أرسله قوم أنه لم يجد ماء، وجاز لهم التيمم؛ وينبغي تقييده بعدل رواية. وليس الجلد كغيره، أي في أقل من الميلين، والميلان مظنة المشقة -كما مر- فلا يلزم الطلب منهما لا في السفر ولا في الحضر، وليس عليه أن يجهد نفسه