للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبالغة في المفهوم، فالمعنى إذا لم تخل المهادنة عن شرط فاسد لم تجز، وإن كان ذلك الشرط مصاحبا لمال يدفعوه (١) لنا إلا لخوف ضرر أشد، كاستيلائهم على المسلمين فتجوز المهادنة حينئذ، ويجوز كل ما منع، وإنما جاز أن يهادنهم الإمام على مال يدفعه لهم عند الخوف، (لمشاورته صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة لما أحاطت القبائل بالمدينة في أن يبذل للمشركين ثلث الثمار، لما خاف أن تكون الأنصار ملت القتال، فقالا: إن كان هذا من الله سمعنا وأطعنا، وإن كان رأيا فما أكلوا منها في الجاهلية تمرة إلا بشراء أو قرى، فكيف وقد أعزنا الله بالإسلام؟ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عزمهم على القتال ترك ذلك (٢))، فلو لم يكن الإعطاء عند الضرورة جائزا لما شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر الشبراخيتي وحاشية الشيخ محمد بن الحسن.

ولا حد؛ يعني أن مدة المهادنة ليس لها حد واجب لا يجوز النقص عنه ولا الزيادة عليه وإنما هي باجتهاد الإمام وما يراه مصلحة، وقوله: "ولا حد"، جملة مستأنفة لبيان الحكم وليست شرطا. وندب أن لا تزيد على أربعة أشهر؛ يعني أنه يندب للإمام أن لا يزيد في مدة المهادنة على أربعة أشهر لاحتمال حصول زيادة قوة للمسلمين، وكلام المص حيث كانت المصلحة في ذلك وفي غيره على السواء وإلا تعين ما فيه المصلحة. أبو عمر: يستحب أن لا تكون مدتها أكثر من أربعة أشهر إلا مع العجز. وإن استشعر خيانتهم نبذه؛ يعني أنه يجب على الإمام أن ينبذ عقد المهادنة أي يطرحه ويحُلهُ حيث استشعر خيانة العدو؛ أي ظن ظنا قويا أن الخيانة حاصلة منهم بظهور دلائلها، والخيانة هي ما يؤذن بنقض العهد. وأنذرهم؛ يعني أنه يجب على الإمام إذا نبذ عهدهم، أن ينذرهم بأن يعلمهم إعلاما حقيقيا أنه طرح المهادنة بينه وبينهم، لقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}، ويعلمهم أنه يقاتلهم وأنه لا معاقدة بينه وبينهم، وأما إن تحقق خيانتهم فإنه ينبذ عهدهم من غير إنذار. قال الشبراخيتي: ابن العربي: إن قيل: كيف ينقض العهد المتيقن بالخوف وهو ظني؟ قيل: إذا ظهرت آثار الخيانة


(١) كذا في النسخ.
(٢) مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٥.