للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

-وذلك إذا كانت المصلحة في عدمها لكون المسلمين ظاهرين على العدو- فلا تجوز حينئذ، وإن بذل العدو المال لقوله تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}، ولقد طلب الطاغية ذلك من عبد الله بن هارون، وبذلوا مائة ألف دينار كل عام، فشاور الفقها، في ذلك فقالوا له: إن الثغور اليوم ضامرة وفيها أهل البصائر وأكثرهم [فازعون] (١) من البلدان. فمتى انقطع عنهم الجهاد تفرقوا وخلت الثغور للعدو، والذي تصيب أهل الثغور منهم أكثر من مائة ألف، فصوب ذلك ورجع إليهم، ولا بأس أن يصالحوا على غير شيء يؤخذ منهم، وقد (صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية على غير شيء (٢))، والمراعى في ذلك ما يراه الإمام الأصلح.

إن خلا عن كشرط بقاء مسلم؛ يعني أن المهادنة إنما تجوز إذا خلت عن شرط فاسد، وذكر الضمير باعتبار العقد أو الصلح، وأما إن لم يخل عقد المهادنة عن شرط فاسد فإنها لا تجوز، مثال الفاسد ما إذا اشترطوا بقاء مسلم أسير بأيديهم، وفعله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية خاص به لا علم في ذلك من الحكمة وحسن العاقبة. نقله الإمام الحطاب. ومن الشرط الفاسد ما إذا شرطوا بقاء قرية للمسلمين خالية لهم، وكذا لو شرطوا الحكم بين مسلم وكافر بحكمهم.

وتحصل من كلام المص أن المهادنة تجوز بثلاثة شروط، الأول: أن تقع من الإمام لا من غيره، الثاني: أن تكون لمصلحة، الثالث: أن تخلو عن شرط فاسد ولم يعطف الثالث بالواو لجعل السابقين كالموضوع للمهادنة. قاله الشيخ عبد الباقي. وإن بمال. يحتمل أنه مبالغة في مفهوم الشرط، والمعنى على ذلك أن المهادنة إذا لم تخل عن شرط فاسد فإنها لا تجوز، وإن كان الشرط المذكور مع مال أي مصاحبا له يدفعه أهل الكفر لنا، لقوله تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}، ويحتمل أن تكون المبالغة في المنطوق؛ أي تجوز المهادنة إن خلت عن شرط فاسد، وإن كان الفاسد بسبب مال يلتزمه الإمام للعدو. إلا لخوف؛ معناه -على أن المبالغة في المنطوق- تجوز المهادنة إن خلت عن شرط فاسد، وإن كان الفساد بسبب مال يدفعه الإمام للكفار فتمنع إلا لأجل خوف ضرر أشد من دفع المال لهم فتجوز على دفع مال لهم، وأما على أن


(١) في الجواهر ج ١ ص ٤٩٧ نازحون.
(٢) صحيح البخاري، كتاب الصلح، رقم الحديث، ٢٧٠٠. وصحيح مسلم، كتاب، الجهاد والسير، رقم الحديث، ١٧٨٣.