يناقضه الحكم بالمن عليهم لأنه لا منافاة بينهما، وبأن المن مسبب عن السبي والسبب يغاير سببه ولا يناقضه، ولذا كان الإمام في حكمه بالسبي في قوم ثم بالمن عليهم ليس بمتناقض في حكميه، فحينئذ أقول: الصادر من عمر إنما هو المن عليهم لمصلحة لاسيما وقد أسلموا كلهم، لا نقض لحكم أبي بكر، وهذا كله على ما حكاه ابن حبيب وسلمه ابن رشد، وإلا فالذي ذكره أبو الربيع في الاكتفاء أن أبا بكر توفي وهم (١) موثقون من غير أن يحكم فيهم بالسبي ولا بغيره، فلما ولي عمر سرحهم، فإذا ثبت هذا فلا إشكال؛ لأن أبا بكر لم ينفذ فيهم الحكم.
وللإمام المهادنة، المهادنة هي صلح الحربي مدة ليس هو فيها تحت حكم الإسلام؛ يعني أن عقد المهادنة لا يتولاه إلا الإمام، فاللام لاختصاص، وينبغي أن نائب الإمام كالإمام. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشبراخيتي: وللإمام حقيقة أو حكما حتى يدخل نائبه، وقدم الجار والمجرور لإفادة الاختصاص؛ أي للإمام لا لغيره من آحاد الناس. انتهى. بخلاف التأمين فيصح ولو من آحاد الناس كما مر. الشبراخيتي عن ابن عرفة: وهي -يعني المهادنة- عقد المسلم مع الحربي على المسالمة مدة ليس هو فيها تحت حكم الإسلام، فخرج الأمان والاستيمان، والمسالمة المتاركة. انتهى. وقد علمت مما مر أن المراد بالمسلم في قوله خصوص الإمام، ولابد من بيان ألفاظ يذكرونها في هذا الباب وهي الأمان والاستيمان والمهادنة والجزية الصلحية والعنوية، فالمهادنة قد علمتها، والأمان هو رفع استباحة دم الحربي ورقه وماله حين قتاله أو العزم عليه مع استقراره تحت حكم الإسلام مدة ما، والجزية الصلحية ما التزم كافر منع نفسه أداءه على إبقائه ببلده تحت حكم الإسلام حيث يجري عليه، والعنوية ما لزم الكافر من مال لأمنه باستقراره تحت حكم الإسلام وصونه، وأما الاستيمان فهو رفع استباحة دم الحربي ورقه وماله، لا في حين القتال أو العزم عليه بسبب طلبه الأمان. والله أعلم.
لمصلحة، متعلق بالمهادنة، واللام للتعليل؛ يعني أن شأن المهادنة موكول إلى الإمام فليفعل ما فيه المصلحة للمسلمين من المهادنة وتركها، فيشمل كلام المص ما إذا كانت المهادنة جائزة، وذلك حيث استوت المصلحة في المهادنة وعدمها، وما إذا تعينت المهادنة فإن تعين عدم المهادنة