للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التحريم، وقيد بعضهم النهي بما إذا لم يكن عند العدو نبل مسموم وإلا فيجوز حينئذ، وكره سحنون جعل سم في قلال خمر ليشربها العدو.

وبما قررت علم أن قوله: "نبل"، لا مفهوم له، وقال الشيخ الأمير: وكره سم نبل، قال في الشرح: هكذا للإمام في النوادر، وحمله الأصل على الحرمة وعدلت عنه؛ لأنه علل بشيئين لا يقتضيانها خوف رده إلينا، وأنه ليس من عمل من مضى. انتهى.

واستعانة بمشرك؛ يعني أنه يحرم علينا في الجهاد أن نستعين بمشرك، لما في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم خرج قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحابه عليه الصلاة والسلام حين رأوه أدركه، فقال له: جئت [لأتبعك (١)] وأصيب معك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: ارجع فلن أستعين بمشرك، ثم أدركه [بالشجرة (٢)] فقال له كما قال أول مرة، فرجع ثم قال له في الثالثة: أتؤمن بالله ورسوله؟ فقال: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم: فانطلق (٣) وقوله: "واستعانة بمشرك"، ظاهر الخبر أنه يمنع من إعانة المشرك ولو خرج من تلقاء نفسه وهو قول أصبغ، قال: يمنعون أشد المنع، وقوله صلى الله عليه وسلم: (ارجع فلن أستعين بمشرك (٤))، قاله ليهودي خرج من غير طلب، وإن جعلنا المص ماشيا على ما لأصبغ تكون السين والتاء في المص للتأكيد، فيحرم علينا قبول إعانته وهو مخالف لظاهر ما في سماع يحيى من أن الممنوع طلب إعانتهم، وأما من خرج من تلقاء نفسه فلا تحرم عليه معاونته، وعليه فالسين والتاء للطلب وهو الذي قرر به الزرقاني كلام المص، وظاهر ابن رشد ترجيحه وهو المعتمد، ويدل له غزو صفوان بن أمية مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا قبل إسلامه،

وقوله: "بمشرك"، المراد بالمشرك مطلق الكافر، وقال ابن حبيب: لا بأس أن يقوم بمن سالمه على من حاربه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام استعان بأهل الكتاب على عبدة الأوثان، ولا بأس أن يكون


(١) في الننسخ لأنفعك والمثبت من مسلم.
(٢) في النسخ بالسحرة والمثبت من مسلم.
(٣) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، رقم الحديث، ١٨١٧.
(٤) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، رقم الحديث، ١٨١٧.