للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناذر أو غيره حيث شاء. وأعظم مالك أن يشرك معهم غيرهم؛ يعني أن الإمام أعظم أي استعظم، ومنع أن يشترك مع بني شيبة غيرهم في خدمة البيت، ولذا لا يدفع الثمن المذكور لغيرهم. وقوله: "يشرك"، بفتح المثناة التحتية والراء المهملة من باب تعب؛ لأنها ولاية منه عليه الصلاة والسلام؛ يعني أن الإمام استعظم الاشتراك المذكور ومنعه؛ لأن التشريك نوع من الانتزاع الوارد في خبر: (هي لكم يا بني عبد الدار خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم (١) قال العلماء: لا يجوز لأحد أن ينزعها منهم، قالوا: وهي ولاية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال المحب الطبري: ولا يبعد أن يقال هذا إذا حافظوا على حرمته ولازموا الأدب في خدمته، وإلا جعل عليهم مشرف يمنعهم من هتك حرمته. قال الإمام الحطاب: وما ذكره المحب الطبري من أنهم يمنعون من هتك حرمته هو الحق الذي لا شك فيه، لا كما يعتقده بعض الجهلة من أنه لا ولاية لأحد عليهم، وأنهم يفعلون بالبيت الشريف ما شاءوا، فإن هذا لا يقوله أحد من المسلمين، وإنما المحرم نزع المفتاح منهم، وأما إجراء الأحكام الشرعية عليهم ومنعهم من كل ما فيه انتهاك لحرمة البيت أو قلة أدب فهذا واجب لا يخالف فيه أحد من المسلمين، وأجمع العلماء على حرمة أخذهم أجرة على فتح البيت لا كما يعتقده بعض الجهلة المعكوس الفهم تمسكا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وكلوا بالمعروف (٢))، فاستباح أخذ الأجرة على دخول البيت، فخرج عما أجمعت عليه الأمة، وهذه اللفظة إن صحت يستدل بها على إقامة الحرمة؛ لأن أخذ الأجرة ليس من المعروف، وإنما الإشارة -والله أعلم- إلى ما يقصدون به من البر والصلة على وجه التبرر فلهم أخذه، وذلك أكل بالمعروف لا محالة أو إلى ما يأخذونه من بيت المال على ما يتولونه من خدمته والقيام بمصالحه، فلا يحل لهم منه إلا قدر ما يستحقونه. والله سبحانه أعلم.

ووجه تحريم أخذ الأجرة المذكور أن الأجرة إنما تجوز على ما يختص الإنسان بمنفعته، والبيت لا يختص به أحد دون أحد، فلا يجوز لهم أخذ الأجرة على فتحه، وإنما لهم الولاية على فتحه وإغلاقه في الأوقات التي جرت العادة بفتحه فيها، ولا يجوز لهم إغلاقه ومنع الناس منه


(١) المعجم الأوسط للطبرانى رقم الحديث ٤٨٨.
(٢) القرى لقاصد أم القرى الباب ٢٨.