للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسلم إياها كما ولى السقاية لعمه العباس -رضي الله تعالى عنه-، وصح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ألا إن كل مأثرة في الجاهلية فهي تحت قدمي إلا سقاية الحاج وسدانة البيت (١)). انتهى. والأثرة المكرمة والمفخرة التي تؤثر عنهم أي تروى عنهم وتذكر، والمراد -والله أعلم- إسقاطها وحطها إلا هاتين المأثرتين، وسدانة البيت خدمته وتولي أمره وفتح بابه وإغلاقه، يقال: سدن يسدن سدانة فهو سادن والجمع سدنة.

ولما دخل -صلى الله عليه وسلم- مكة عام الفتح، قال لعثمان بن طلحة ائت بالمفتاح، قال: فأتيته به ثم دفعه إلي، وقال: خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم، ولم يزل عثمان يلي البيت إلى أن توفي، فدفع ذلك إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، ابن عمة، فبقيت الحجابة في بني شيبة ومات عثمان في أول خلافة معاوية -رضي الله تعالى عنه- سنة اثنتين وأربعين، وقيل: قتل بأجنادين بفتح الهمزة وفتح الدال المهملة، ومنهم من يكسرها وهو موضع بالشام كانت به وقعة مشهورة بين المسلمين والروم، وقتل أبوه طلحة وعمة عثمان يوم أحد كافرين -نسئل الله تعالى السلامة- وذكر المحب الطبري أنه جاء جبريل، وقال: ما دام هذا البيت فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان، وقوله: "لخزنة الكعبة"، هذا قول مالك، وقال ابن القاسم: يتصدق به حيث شاء، وقال أصبغ: يتصدق به على مساكين مكة خاصة.

يصرف فيها؛ يعني أن هذا الذي يبعث لخزنة الكعبة من الثمن القاصر عن أدنى الهدي وهم بنو شيبة لا يملك لهم، وإنما يصرفونه في مصالح الكعبة كما في الرواية عن الإمام، ولما استشكلت الرواية بأن الكعبة قد لا تحتاج لأنها لا تنقض فتبنى ولا يكسوها إلا الملوك، ويأتيها من الطيب ما فيه كفاية، ومكانسها خوص ثمنها لا بال له وبعد الكنس يزيد ثمنها على ما كان -فلم يبق إلا أن تأكله الخزنة وليس من قصد الناذر في شيء- أشار إلى الجواب بما في كتاب محمد وساقه ابن يونس على أنه تفسير بقوله: إن احتاجت؛ يعني أن محمد بن المواز قيد قول الإمام: إن الثمن المذكور يدفع للخزنة يصرفونه في مصالح الكعبة، بما إذا كانت تحتاج إلى ذلك، وبهذا التقييد يندفع الإشكال. وإلا تصدق به؛ يعني أن الكعبة إذا لم تحتج فإن الثمن المذكور يتصدق به


(١) سنن أبي داوود، كتاب الديات، رقم الحديث ٤٥٤٧.