وهي مبلولة فيصيبها من تراب الطريق ما يغلب على الظن مخالطة البول له إذ لا يمكن التحرز منه ولأن أصله الطهارة، وقوله:"ودون درهم" الخ هذا في غير أثر الدمل الذي لم ينكأ، وأما الدمل الذي لم ينكأ فإنه يعفى عنه ولو زاد عن درهم، وقوله:"وقيح وصديد" ما ذكره المص فيهما هو مذهب المدونة، وعن مالك في المبسوطة عدم العفو عن يسيرهما، وصرح ابن هارون بأن المشهور أنهما كالدم، وفي الإكمال في حديث شق العسيب على القبرين (١) أن القليل من النجاسة والكثير غير معفو عنه وهو مذهب مالك وعامة الفقهاء إلا ما خففوه في الدم، وقال الثوري كانوا يرخصون في الخفيف من البول، ورخص أهل الكوفة في مثل رؤوس الإبر، وقال مالك والشافعي وأبو ثور: يغسل، وذكر إسماعيل القاضي أن غسل ذلك على طريق الاستحسان والتنزه وهذا مذهب الكوفيين خلاف المعروف من مذهبه. وحكى في الإكمال عن مالك: اغتفار ما تطاير من البول مثل رؤوس الإبر، ثم اغتفاره يحتمل أن يكون عند بوله لأنه محل الضرورة لتكرره، ويحتمل أن يكون عاما في كل يسير من البول كما هو ظاهر نقل عياض. والاحتمال الأول هو ظاهر نقل ابن بطال عنه. قال ابن الإمام: وهو أقرب لعسر الاحتراز منه حينئذ انتهى. وفي الإرشاد: ويعفى عن يسير كل نجاسة ما عدا الأخبثين؛ وهو قدر الدرهم فدونه، قال الشيخ زروق يعني أن كل نجس خارج من الجسد يعفى عن قليله إلا البول والغائط، وليس ذلك إلا الدم وتوابعه من القيح والصديد انتهى. وعموم كلام الإرشاد مشكل ففي المدونة: والبول، والرجيع، والمني، والمذي، والودي، وخرء الطير التي تصل إلى النتن، وزبل الدواب وأبوالها قليله وكثيرة سواء يغسل، وتقطع منه الصلاة إلا أنه يدخل في قول الشارح: الدم وتوابعه ما يسيل من الجراح من مائة، أو من نفط النار، وما ينفط أيام الحر في بدن الإنسان فإن نجاسة ذلك واضحة كما مر في الكلام على القيح والصديد، ويكون ما خرج من تلك النفطات من نفسه بمنزلة ما يخرج من الدمل من غير إنكاء يعفى عن كثيرة وقليله قاله الحطاب. وإذا اتصل اليسير المعفو عنه مما تقدم بماء فالظاهر أن العفو باق خلافا للشافعية كما يدل
(١) مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله قال فدعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا ثم قال لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا. مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، رقم الحديث: ٢٩٢.