للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبل أن يأتي منى، فإذا عاد إلى منى فإنه يسن له أن يبيت فيها فوق جمرة العقبة من ناحية منى لا من أسفلها من ناحية مكة، فإنه لا يجوز لأنه ليس من منى، ومدة البيات بها ثلاث ليال إن لم يتعجل، وليلتان إن تعجل كما يأتي.

وعلم مما قررت أن قوله: "فوق العقبة"، تبيين لقوله: "بمنى"، وليس هو تبيينا لمنى؛ لأن ذلك لا يناسب المضاف الذي قدره غير واحد قبل العقبة أي جمرة العقبة؛ لأن جمرة العقبة من منى وما دون الجمرة ليس من منى كما في التوضيح والمناسك. قاله محمد بن الحسن.

واعلم أن منى لها آيات خمس: إحداها أن ما قُبلَ من الحصاة يرفع، الثانية اتساعها للحجيج مع ضيقها في الأعين، الثالثة كون الحدأة لا تخطف منها اللحم، الرابعة كون الذباب لا يقع في الطعام وإن كان لا ينفك عنه كالعسل، الخامسة قلة البعوض بها، ونظمها بعضهم فقال:

وآي منى خمس فمنها اتساعها … لحجاج بيت الله لو جاوزوا العدا

ومنع حداة من تخطف لحمها … وقلة وجدان البعوض بها عُدَّا

وكون ذباب لا يقعْ في طعامها … ورفع الحصى المقبول دون الذي رُدَّا

وفي التوضيح: ولا يجوز المبيت دون جمرة العقبة لأنه ليس من منى، وفي الموطإ (عن عمر: أنه كان يدخل الناس من ورائها (١)).

وإن ترك جل ليلة فدم؛ يعني أنه إذا ترك المبيت فوق العقبة جل ليلة فإنه يلزمه الدم على المشهور، وكذا ليلة كاملة أو أكثر، وظاهره ولو كان الترك لضرورة كخوف على متاعه وهو الذي يقتضيه مذهب مالك حسبما روى عنه ابن نافع فيمن حبسه مرض فبات بمكة أن عليه هديا، وفهم من قوله: "جل ليلة"، أن نصفها فدون لا دم فيه، وهو كذلك على ظاهر المدونة. قاله الشارح والشبراخيتي. وقوله: "وإن ترك جل ليلة فدم"، هو المشهور كما علمت، قال في الموازية عن مالك: وإذا بات وراء العقبة جل ليلة فليُهد هديا، وعنه: لاهدي عليه إلا أن يبيت الليلة كلها، نقله الشارح. وعطف على "ثلاثا" قوله: أو ليلتين إن تعجل؛ يعني أنه لا يلزم الحاج أن


(١) الموطأ، كتاب الحج، رقم الحديث: ٩٢٩.