يبيت بمنى ثلاث ليال بل له أن يتعجل قبلها بأن يبيت ليلتين بمنى: ولا يجوز أن يبيت بها أقل من ليلتين، ويأتي في قوله:"أو ليلتين": "وإن ترك جل ليلة فدم"، ويستثنى من قوله:"ثلاثا أو ليلتين": الرعاة ومن ولي السقاية؛ (لأنه صلى الله عليه وسلم أرخص للعباس في المبيت بمكة (١))؛ وقوله:"إن تعجل"، كان بمنى أو غيرها كمكة، لكن إن كان بمنى يشترط فيه إذا تعجل الخروجُ منها قبل الغروب من الثاني، بخلاف ما لو لم يكن بمنى وكان ممره بها ولو لشيء نسيه فله أن يتعجل، ولو غربت عليه الشمس بمنى كما في الشارح. والله سبحانه أعلم.
وقوله:"إن تعجل"، هو معنى قوله عز وجل:{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}، وعدم التعجل أفضل: ويكره التعجيل للمقتدى به، وما مر من أنه يجوز التعجيل لمن يبيت بغير منى هو المشهور، وقال الخرشي والشبراخيتي: قال ابن الماجشون وابن حبيب: يلزم من يبيت بمكة أن يعود للرمي لخروجه عن سنة التعجيل، والدم إن لم يعد، وقال محمد بن الحسن بناني: إن عبد الملك وابن حبيب قالا: من بات بمكة فقد خرج عن سنة التعجيل، ويلزمه أن يرجع فيرمي في اليوم الثالث، وعليه دم لمبيته بمكة، وما قاله محمد بن الحسن هو الظاهر الموافق لقول المصنف:"وإن ترك جل ليلة فدم".
ولو بات بمكة؛ يعني أنه يجوز للحاج أن يتعجل بأن يرمي الجمار يومين بعد يوم النحر، ويخرج من منى بعد ذلك، ولا يرمي في اليوم الثالث، ولا فرق في ذلك بين من يبيت بمنى وبين من يبيت بمكة على المشهور كما علمت، خلافا لابن الماجشون وابن حبيب القائلين: ليس لمن يبيت بمكة التعجل، بل يلزمه أن يعود للرمي لخروجه عن سنة التعجيل، وعليه الهدي لمبيته بغير منى، وقد مر هذا قريبا.
أو مكيا، هو في حيز المبالغة لكونه معطوفا على المبالغ عليه؛ يعني أنه يجوز التعجل للمكي وغيره على الأصح، وقيل: لا يتعجل المكي، والقولان لمالك ويكره للإمام التعجل كما في ابن عرفة، وقد مر ما يفيده، والمبالغة في مقدر؛ أي وله أن يتعجل ولو بات بمكة أو كان مكيا كما في
(١) استأذن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له. البخاري، كتاب الحج، رقم الحديث: ١٦٣٤. مسلم، كتاب الحج، رقم الحديث: ١٣١٥.