وقالت طائفة من أهل الظاهر: يقصر في كل سفر، ولو ثلاثة أميال، لظاهر قوله تعالى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ}، ولم يحد المسافة. وروى مسلم وأبو داوود عن أنس:(كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ قصر الصلاة (١))؛ وهو أصح ما ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمل المخالف هذا على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر، لا غاية السفر. نقله الزرقاني في شرح الموطإ.
إلا كمكي في خروجه لعرفة ورجوعه؛ يعني أن المكي ومن في حكمه كمنوي ومردلفي ومحصبي، يسن لكل منهم في خروجه لعرفة ورجوعه القصر للسنة، وإن لم يكن في ذلك مسافة القصر. وقوله:"في خروجه لعرفة"، ظاهره: ولو أدركته الصلاة قبل أن يصل لمنى. قال سند: والأحسن أن يقصر؛ لأنه قد أعطى سفره حكم القصر، وأما إذا وصل إلى منى فإنه يقصر بلا خلاف، وكذا في ذهابه إلى عرفة، وفي عرفة، وفي رجوعه إلى المزدلفة، وفي المزدلفة، وفي رجوعه إلى منى، وفي مدة إقامته بمنى، ومثل المكي العرفي إذا خرج للإفاضة وبقية النسك.
واعلم أن أهل كل محل لا يقصرون بمحلهم، فلا يقصر العرفي بعرفة، ولا المزدلفي بمزدلفة، ولا المنوي بمنى. ولا المكي بمكة، ولا المحصبي بالمحصب.
وقال الشيخ عبد الباقي:"عند قوله ورجوعه"، لبلده حيث بقي عليه بعض عمل النسك بغيره، وإلا أتم حال رجوعه كمنوي؛ لأن بقية العمل وهو رمي أيام منى في محله. انتهى. قال الشيخ محمد بن الحسن: فيه نظر، بل يقصر في رجوعه لبلده مطلقا، وإن لم يبق عليه شيء من النسك لا بها ولا بغيرها على ما رجع إليه مالك، كما في الحطاب. وقوله: وكل راجع لبلده الخ. فيه نظر. انتهى ولا راجح لدونها؛ يعني أن من عزم على أن يسير مسافة القصر، وسار بعض المسافة
(١) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، رقم الحديث: ٦٩١. أبو داود، كتاب الصلاة: تفريع أبواب صلاة السفر، رقم الحديث: ١٢٠١. ولفظ مسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شعبة الشاك - صلى ركعتين. وكذا أبو داود، إلا أنه قال: شعبة شك - يصلي ركعتين.