للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا إذَا بَنَى عَلَى نَفْسِ السَّاجَةِ يُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ. وَجَوَابُ الْكِتَابِ يَرُدُّ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. .

قَالَ (وَمِنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ فَمَالِكُهَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَّهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا، وَكَذَا الْجَزُورُ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ يَدَهُمَا) هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَجْهُهُ أَنَّهُ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ

مَلَكَ ذَلِكَ بِمَا صَنَعَ فَلَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِشْهَادِ لِاخْتِلَافِ الْمُنَاطِ. قُلْنَا: ثَبَتَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْمَالِكِ وَغَيْرِهِ، وَجَعَلَ حَقَّ غَيْرِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بِإِبْطَالِهِ زِيَادَةُ ضَرَرٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى ضَرَرِ الْمَالِكِ فَكَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنْ قَالَ: كَيْفَ يُقَاسُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ وَالسَّاجَةُ كِلَاهُمَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ يُبَاحُ لَهُ نَقْضُ بِنَائِهِ وَإِخْرَاجُ السَّاجَةِ مِنْ تَحْتِهِ، بِخِلَافِ اللَّوْحِ وَالسَّفِينَةِ وَالْخَيْطِ وَالْجَارِيَةِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ لَا يُبَاحُ لَهُ نَزْعُ الْخَيْطِ وَاللَّوْحِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ إذْ لَا يَجِبُ فِي صِحَّةِ الْقِيَاسِ اشْتَرَاك الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، بَلْ يَكْفِي اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ وَهَاهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الْعِلَّةَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ لُحُوقُ زِيَادَةِ ضَرَرٍ بِغَيْرِ الْمَالِكِ عَلَى تَقْدِيرِ إبْطَالِ حَقِّهِ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْمَقِيسِ أَيْضًا بِلَا رَيْبٍ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبِنَاءُ وَالسَّاجَةُ كِلَاهُمَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ صَارَ بِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ، إذْ لَا يَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ هُنَاكَ، وَلَا يَكُونُ صَاحِبُ الْبِنَاءِ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ حِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيمَا وَقَعَ مَقِيسًا هَاهُنَا، وَلَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعِلَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَهِيَ لُحُوقُ زِيَادَةِ ضَرَرٍ بِغَيْرِ الْمَالِكِ عَلَى تَقْدِيرِ إبْطَالِ حَقِّهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا نَحْنُ فِيهِ وَلَا بِالْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ فِيهِ أَصْلًا.

(قَوْلُهُ وَجَوَابُ الْكِتَابِ يَرُدُّ ذَلِكَ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَنَا فِي قَوْلِهِ وَجَوَابُ الْكِتَابِ يَرُدُّ ذَلِكَ: أَيْ جَوَابُ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ يَرُدُّ مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقُدُورِيَّ يَرْوِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ، فَكَيْفَ يَرُدُّ مُجَرَّدُ جَوَابِ الْقُدُورِيِّ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ وَسَنَدُ رِوَايَتِهِ إلَيْهِ. نَعَمْ يَجُوزُ رُجْحَانِ قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ، أَمَّا بِمُجَرَّدِ الرِّوَايَةِ فَلَا اهـ كَلَامَهُ.

أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ اسْتِنَادَ رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ مُخْتَصَرِهِ أَوْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا إلَى الْكَرْخِيِّ فَهُوَ مَمْنُوع، كَيْف وَقَدْ صَرَّحَ هَذَا الشَّارِحُ نَفْسُهُ بِأَنَّ الْقُدُورِيَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ: وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ: الْمَسْأَلَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنَّهُ بَنَى عَلَى حَوَالَيْ السَّاجَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يُنْقَضُ.

وَأَمَّا إذَا بَنَى عَلَى نَفْسِ السَّاجَةِ يُنْقَضُ بِنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى فِيهِ. وَكَانَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَخْتَارُ هَذَا الْقَوْلَ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فِيمَنْ غَصَبَ دِرْهَمًا فَجَعَلَهُ عُرْوَةَ مُزَادَةً سَقَطَ حَقُّ مَالِكِهِ، وَالْفِضَّةُ لَا يَسْقُطُ حَقُّ مَالِكِهَا فِيهَا بِالصِّيَاغَةِ، وَإِنَّمَا أَسْقَطَهُ بِكَوْنِهَا تَابِعَةً لِلْمَزَادَةِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِعَمَلٍ يُوقِعُهُ فِيهَا عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى إطْلَاقِهَا وَأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَالِكِ فِي السَّاجَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ.

وَقَالَ: إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْقُدُورِيِّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقُدُورِيَّ لَا يَقْبَلُ رِوَايَةَ الْكَرْخِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى التَّقْيِيدِ بِأَنْ بَنَى عَلَى حَوَالَيْ السَّاجَةِ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَى إطْلَاقِهَا بِمَسْأَلَةِ كِتَابِ الصَّرْفِ كَمَا تَرَى، فَتَعَيَّنَ أَنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِأَنْ قَالَ فَبَنَى عَلَيْهَا لَا يَسْتَنِدُ إلَى الْكَرْخِيِّ، بَلْ هُوَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَهُ وَمُتَمَسِّكٌ بِمَسْأَلَةِ كِتَابِ الصَّرْفِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ اسْتِنَادَ رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ فِي أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ إلَى الْكَرْخِيِّ بِالطَّرِيقِ الْمَزْبُورِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يُجْدِي ذَلِكَ هَاهُنَا شَيْئًا فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَةِ السَّاجَةِ وَهُوَ فِي رِوَايَتِهَا يُخَالِفُ الْكَرْخِيَّ كَمَا عَرَفَتْ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرَهُ فَمَالِكُهَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا، وَكَذَا الْجَزُورُ) وَهُوَ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ مِنْ الْإِبِلِ، مِنْ الْجَزْرِ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>