للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَوَجْهٌ آخَرُ لَنَا فِيهِ أَنَّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ إضْرَارًا بِالْغَاصِبِ بِنَقْضِ بِنَائِهِ الْحَاصِلِ مِنْ غَيْرِ خَلَفٍ، وَضَرَرُ الْمَالِكِ فِيمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَجْبُورٌ بِالْقِيمَةِ، فَصَارَ كَمَا إذَا خَاطَ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ بَطْنَ جَارِيَتِهِ أَوْ عَبْدَهُ أَوْ أَدْخَلَ اللَّوْحَ الْمَغْصُوبَ فِي سَفِينَتِهِ. ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرَ: إنَّمَا لَا يُنْقَضُ إذَا بَنَى فِي حَوَالِي السَّاجَةِ،

مِلْكُ مَالِكِهَا اهـ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ: وَسَيَظْهَرُ لَك وَجْهُ ذَلِكَ إنْ تَأَمَّلْت فِي قَوْلِهِ وَجْهٌ آخَرُ لَنَا فِيهِ اهـ.

أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى مَنْ لَهُ ذَوْقٌ صَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ وَجْهُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ فِي قَوْلِهِ وَجْهٌ آخَرُ لَنَا فِيهِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ ضَرَرَ الْغَاصِبِ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ضَرَرٌ مِنْ غَيْرِ خَلَفٍ، وَضَرَرُ الْمَالِكِ فِيمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ ضَرَرٌ مَجْبُورٌ بِالْقِيمَةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الضَّرَرَ الْمَجْبُورَ دُونَ الضَّرَرِ الْمَحْضِ فَلَا يَرْتَكِبُ الضَّرَرَ الْأَعْلَى عِنْدَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِالضَّرَرِ الْأَدْنَى. وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السَّاجَةِ وَبَيْنَ الْعَكْسِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الضَّرَرَ الْمَحْضَ أَشَدُّ وَأَثْقَلُ مِنْ الضَّرَرِ الْمَجْبُورِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُتَحَمَّلَ الثَّانِي لِدَفْعِ الْأَوَّلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَمَلًا بِاخْتِيَارِ أَهْوَنِ الشَّرَّيْنِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَظْهَرُ وَجْهُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كِلَا الضَّرَرَيْنِ مَجْبُورَيْنِ بِالْقِيمَةِ، فَإِنَّمَا هُوَ أَقَلُّ قِيمَةً حِينَئِذٍ يَكُونُ أَخَفَّ وَأَيْسَرَ تَحَمُّلًا وَلَيْسَ فَلَيْسَ.

ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ فِي قَوْلِهِ وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَدَّمْنَاهُ، فَإِنَّ مَا قَدَّمَهُ مِنْ جَانِبِنَا هُوَ قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً صَيَّرَ حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ قِيمَةَ الْبِنَاءِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السَّاجَةِ كَانَ الْبِنَاءُ غَالِبًا عَلَى السَّاجَةِ فَيَصِحُّ إذْ ذَاكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْغَاصِبَ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً صَيَّرَ إحْدَاثُهَا حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ لِظُهُورِ صِحَّةِ تَصْيِيرِ الْغَالِبِ الْمَغْلُوبِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَإِنَّمَا تَكُونُ السَّاجَةُ غَالِبَةً عَلَى الْبِنَاءِ فَيَشْكُلُ هُنَاكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً صَيَّرَ حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ، إذْ تَصْيِيرُ الْمَغْلُوبِ الْغَالِبَ هَالِكًا غَيْرُ ظَاهِرٍ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ (قَوْلَهُ وَوَجْهٌ آخَرُ لَنَا فِيهِ أَنَّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ إضْرَارًا بِالْغَاصِبِ بِنَقْضِ بِنَائِهِ الْحَاصِلِ مِنْ غَيْرِ خَلَفٍ وَضَرَرُ الْمَالِكِ فِيمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَجْبُورٌ بِالْقِيمَةِ) بَيَانُهُ أَنَّ فِيمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ إضْرَارًا بِالْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِ، وَفِيمَا قُلْنَا إضْرَارٌ بِالْمَالِكِ، وَلَكِنَّ ضَرَرَ الْمَالِكِ مَجْبُورٌ بِالْعِوَضِ وَهُوَ الْقِيمَةُ، فَكَانَ فَوَاتُ حَقِّهِ كَلَا فَوَاتٍ، وَضَرَرُ الْغَاصِبِ لَيْسَ بِمَجْبُورٍ بِشَيْءٍ فَيَفُوتُ حَقُّهُ لَا إلَى خَلَفٍ، فَكَانَ قَطْعُ حَقِّ الْمَالِكِ أَوْلَى مِنْ قَطْعِ حَقِّ الْغَاصِبِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُشْكِلُ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِمَا إذَا غَصَبَ سَاحَةً بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَبَنَى عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُ الْمَالِكِ عَنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ مَعَ جَرَيَانِ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِعَيْنِهِ هُنَاكَ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى. نَعَمْ يُوجَدُ هُنَاكَ وَجْهٌ آخَرُ فَارَقَ بَيْنَهُمَا، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي انْتِقَاضِ هَذَا الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلَهُ كَمَا إذَا خَاطَ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ بَطْنَ جَارِيَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ أَدْخَلَ اللَّوْحَ الْمَغْصُوبَ فِي سَفِينَتِهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: عَدَمُ جَوَازِ نَزْعِ الْخَيْطِ وَاللَّوْحِ عِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ تَلَفُ النَّاسِ لَا؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>