لِأَنَّهُ صَحَّ الِاسْتِئْجَارُ حَتَّى اسْتَحَقُّوا الْأَجْرَ وَوَقَعَ فِعْلُهُمْ عِمَارَةً وَإِصْلَاحًا فَانْتَقَلَ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا يَضْمَنُهُ (وَكَذَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ فِي الطَّرِيقِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ، وَكَذَا إذَا رَشَّ الْمَاءَ أَوْ تَوَضَّأَ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْمَارَّةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ قَعَدَ أَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ) لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِيهَا لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى كَمَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ. قَالُوا: هَذَا إذَا رَشَّ مَاءً كَثِيرًا بِحَيْثُ يُزْلَقُ بِهِ عَادَةً، أَمَّا إذَا رَشَّ مَاءً قَلِيلًا كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُزْلَقُ بِهِ
الْمُسْتَأْجِرُ لِلْأُجَرَاءِ: اشْرَعُوا لِي جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ حَتَّى بَنَوْا جَنَاحًا بِأَمْرِهِ ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا، إنْ سَقَطَ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ وَلَمْ يَرْجِعُوا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ فَكَذَلِكَ عَلَى جَوَابِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِمَا لَمْ يَمْلِكْ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ وَقَدْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَلَمْ يُحْكَمْ بِالضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِيَذْبَحَ شَاةَ جَارٍ لَهُ فَذَبَحَ ثُمَّ ضَمِنَ الذَّابِحُ لِلْجَارِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْآمِرِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُمْ لِيَبْنُوا بَيْتًا فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِنَاءَ دَارِهِ مَمْلُوكٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ صَحِيحٌ يَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَاسِدٌ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْعَامِلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ عَمَلًا بِهِمَا.
وَإِظْهَارُ شِبْهِ الصِّحَّةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْلَى مِنْ إظْهَارِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ، لِأَنَّ أَمْرَ الْآمِرِ إنَّمَا صَحَّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ الْمَنْفَعَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، كَذَا ذَكَرَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ هُنَا. أَقُولُ: هَذِهِ الْوُجُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِهَذَا التَّفْصِيلِ وَالْبَيَانِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَارْتِضَاءُ جُمْهُورِ الشُّرَّاحِ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ عِنْدِي مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي تَعْلِيلِ جَوَابِ الْقِيَاسِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرُوهَا لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِمَا لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ وَقَدْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ، وَهُوَ إنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا أَخْبَرَهُمْ بِأَنْ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي ذَلِكَ لَا فِيمَا إذَا لَمْ يُخْبِرْهُمْ بِذَلِكَ، إذْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِفَسَادِ الْأَمْرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَقَدْ سَوَّوْهُمَا فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ حَيْثُ قَالُوا: وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ مِنْ الْقَدِيمِ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ. وَالثَّانِي أَنَّهُمْ قَالُوا فِي بَيَانِ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَنَّ أَمْرَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِنَاءَ دَارِهِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، وَجَعَلُوا الضَّمَانَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ عَلَى الْعَامِلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، مَعَ أَنَّ مَدْخَلِيَّةَ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فِي فَسَادِ أَمْرِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِبَيْعِهِ وَلَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ حَتَّى يَفْسُدَ أَمْرُهُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْفَعَلَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، بَلْ أَمَرَهُمْ بِالِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ بِإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ إلَيْهِ وَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَكَيْفَ يَفْسُدُ أَمْرُهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ حَتَّى يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ بِنَاءً عَلَى فَسَادِ الْأَمْرِ.
وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ وَيَرْجِعُونَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ. وَقَالُوا فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الضَّمَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute