للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

تُحْدَثُ للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، فكذلك تُحدَث لهم مرغِّبات في الخير بقدر ما حَدَثَ لهم من الفتور.

وفي حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: "فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتّبعوني وقد قرأت القرآن، ما هم بِمُتَّبِعيّ حتى أُحدث لهم غيره، فإياكم وما ابتُدِع، فإن ما ابتُدع ضلالة") (١).

وقد تبيّن بهذا القيد أن البدع لا تدخل في العادات، فكلُّ ما اختُرع من الطرق في الدين مما يُضاهي المشروع، ولم يُقصد به التعبّد، فقد خرٍ ج عن هذه التسمية؛ كالمغارم الْمُلْزِمة على الأموال وغيرها نسبة مخصوصة وقَدْر مخصوص مما يُشبه فرض الزكاة، ولم يكن إليها ضرورة، وكذلك اتخاذ المناخل، وغسل اليد بالأشنان، وما أشبه ذلك من الأمور التي لم تكن قبلُ، فإنها لا تُسمّى بدَعاً على إحدى الطريقتين.

وأما الحدّ على الطريقة الأخرى) (٢)، فقد تبيّن معناه إلا قوله: "يُقصد بها ما يُقصد بالطريقة الشرعيّة".

ومعناه أن الشريعة إنما جاءت لمصالح العباد في عاجلتهم وآجلتهم لتأتيهم في الدارين على أكمل وجوهها، فهو الذي يقصده المبتدع ببدعته؛ لأن


(١) هو ما أخرجه أبو داود (٣٩٩٥) بإسناد صحيح، عن يزيد بن عَمِيرة وكان من أصحاب معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كان لا يجلس مجلسًا للذكر حين يجلس إلا قال: الله حكم قسط، هَلَك المرتابون، فقال معاذ بن جبل يومًا: إن من ورائكم فتنًا يَكثُر فيها المال، وُيفتَح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والعبد والحر، فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يَتَبِعُوني، وقد قرأت القرآن، ما هم بِمُتَّبِعِيَّ حتى أَبتدِع لهم غيره، فإياكم وما ابْتُدِع، فإن ما ابتُدِع ضلالة، وأُحَذِّركم زيغَة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، قال: قلت لمعاذ: ما يُدريني - رحمك الله- أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ قال: بلى اجتَنِب من كلام الحكيم الْمُشتَهِرات التي يقال لها: ما هذه؟ ولا يَثْنِيَنّك ذلك عنه، فإنه لعله أن يراجع، وتَلَقَّ الحق إذا سمعته، فإن على الحق نورًا.
(٢) وهي طريقة من يُدخل العادات في معنى البدع.