للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال العلامة أبو إسحاق الشاطبيّ (١) رحمه الله: أصل مادّة "بدع" للاختراع على غير مثال سابق، ومنه قول الله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: ١١٧، الأنعام: ١٠١]: أي: مخترعهما من غير مثال سابق متقدّم، وقوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: ٩]؛ أي: ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد، بل تقدّمني كثير من الرسل، ويقال: ابتدع فلان بدعة، يعني: ابتدأ طريقة لم يسبقه إليها سابق. وهذا أمر بديع، يقال في الشيء المستحسن الذي لا مثال له في الحسن، فكأنه لم يتقدّمه ما هو مثله وما لا يُشبهه.

ومن هذا المعنى سمّيت البدعة بدعة، فاستخراجها للسلوك عليها هو الابتداع وهيئتها هي البدعة، وقد يُسمّى العمل المعمول على ذلك الوجه بدعة.

فمن هذا المعنى سمي العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة، وهو إطلاق أخصّ منه في اللغة.

قال: ثبتٌ في علم الأصول أن الأحكام المتعلّقة بأفعال العباد، وأقوالهم ثلاثة: حكم يقتضيه معنى الأمر، كان للإيجاب، أو الندب، وحكم يقتضيه معنى النهي، كان للكراهة، أو التحريم، وحكم يقتضيه معنى التخيير، وهو الإباحة.

فأفعال العباد وأقوالهم لا تعدو هذه الأقسام الثلاثة: مطلوب فعله، ومطلوب تركه، ومأذون في فعله وتركه، والمطلوب تركه لم يُطلَب تركه إلا لكونه مخالفًا للقسمين الأخيرين، لكنه على ضربين:

(أحدهما): أن يُطلَب تركه، ويُنهى عنه؛ لكونه مخالفة خاصّة مع مجرّد النظر عن غير ذلك، وهو إن كان محرّماً سمّي فعله معصية وإثمًا وسمي فاعله عاصيًا وآثماً، وإلا لم يسمّ بذلك، ودخل في حكم العفو حسبما هو مبيّن في غير هذا الموضع، ولا يُسمّى بحسب الفعل جائزًا ولا مباحًا؛ لأن الجمع بين الجواز والنهي جمع بين متنافيين.


(١) هو: العلامة الأصوليّ أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطيّ الشاطبيّ صاحب المصنفات النافعة كـ"الاعتصام" و"الموافقات" المتوفى سنة (٧٩٠ هـ)).