التبكير إليها، والترغيب في فضيلة السبق، وتحصيل الصفّ الأول، وانتظارها، والاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه، وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال، ولا فضيلة من أتى بعد الزوال؛ لأن النداء يكون حينئذ، ويحرُم التخلّف بعد النداء، واللَّه أعلم. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: سيأتي البحث في هذه المسألة مستوفًى، مع ترجيح مذهب الجمهور في كون المراد بالرواح هو الذهاب في أول النهار في المسألة الرابعة -إن شاء اللَّه تعالى-.
(فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً) بتشديد الراء: أي: تَصَدَّق بها متقربًا إلى اللَّه تعالى، وقيل: المراد أن للمبادر في أول ساعة نظير ما لصاحب البدنة من الثواب، ممن شُرع له القربان؛ لأن القربان لم يُشْرَع لهذه الأمة على الكيفية التي كانت للأمم السالفة.
وفي رواية ابن جريج المذكورة:"فله من الأجر مثل الْجَزُور"، وظاهره أن المراد أن الثواب لو تجسّد لكان قدر الجزور.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هكذا فسّر في "الفتح" هذه الرواية بهذا التفسير، وفيه نظر لا يخفى، فالصواب أن رواية ابن جريج هذه بمعنى رواية مالك، فالمراد أن ثوابه كثواب من قرّب جزورًا، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
وقيل: ليس المراد بالحديث إلا بيان تفاوت المبادرين إلى الجمعة، وأن نسبة الثاني من الأول نسبة البقرة إلى البدنة في القيمة مثلًا، ويدلّ عليه أن في مرسل طاوس، عند عبد الرزاق:"كفضل صاحب الجزور على صاحب البقرة".
ووقع في رواية الزهري الآتية بلفظ:"كمثل الذي يُهْدِي بَدَنَةً"، فكأن المراد بالقربان في هذه الرواية الإهداء إلى الكعبة.
قال الطيبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في لفظ الإهداء إدماج بمعنى التعظيم للجمعة، وأن المبادر إليها كمن ساق الهدي، والمراد بالبدنة البعير ذكرًا كان أو أنثى، والهاء فيها للوحدة، لا للتأنيث، وكذا في باقي ما ذُكِرَ.
وحَكَى ابن التين عن مالك أنه كان يتعجب ممن يخص البدنة بالأنثى، وقال الأزهريّ في شرح ألفاظ "المختصر": البدَنَةُ لا تكون إلا من الإبل، وصحّ ذلك عن عطاء، وأما الهديُ فمن الإبل والبقر والغنم، هذا لفظه.